في الوقت الذي استقر فيه مجلس أمناء الحوار الوطني، خلال جلسته الثانية على المحار الثلاثة الأساسية للحوار (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) تصاعدت تحذيرات دولية من تزايد معدلات الجوع بالعالم، وتفاقهم أزمة الأمن الغذائي، بعد قيام عدد من الدول بحظر صادرات الغذاء، وهو ما يعني أن الأمن الغذائي لمصر لابد أن يكون أحد مجالات المحور الاقتصادي في هذا الحوار، ليس من حيث المبدأ لأنه بالفعل يشكل أولوية في خطاب القيادة السياسية وفي الخطط التنموية للدولة، وإنما من حيث الآليات والمبادرات والأفكار والرؤى.
ولا شك أن التطورات الدولية الراهنة وتحديدا تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، تدفع بهذا الملف ليأخذ مزيدا من الاهتمام بخاصة بعد ان اصدرت 4 مؤسسات دولية كبرى بيانا مشتركا الثلاثاء الماضي تدعو فيه الدول لتحرك عاجل لمعالجة أزمة الأمن الغذائى العالمى، عقب ارتفاع عدد الذين يعانون نقص الغذاء الى 345 مليون شخص في 82 دولة.
وقد حذر البيان المشترك - الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة وصندوق النقد الدولى وبرنامج الأغذية العالمى ومنظمة التجارة العالمية- من أن الأمر يزداد سوءا مع اتجاه 25 دولة تعانى ارتفاع أسعار الغذاء الى فرض قيود على الصادرات.
فقد انخفضت معدلات الأمن الغذائي ، بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كشفت التقديرات أن وباء كورونا دفع 161 مليون شخص إلى الجوع المزمن، حتى مايو الماضي.
من ناحية أخرى يترتب على اتجاه كثير من مُنتجي الغذاء والمحاصيل الزراعية في العالم إلى حظر صادراتهم، تداعيات سلبية على الأمن الغذائي العالمي، رصدتها دراسة جديدة للدكتورة د. سالي فريد نشرها مركز المستقبل بابو ظبي مؤخرا، ومن أبرزها: الاختلالات الكبيرة في سلاسل إمداد الحبوب والبذور الزيتية القادمة من أوكرانيا وروسيا؛ مما أثر على الأمن الغذائي في نحو 50 دولة . و ارتفاع أسعار السلع الغذائية منذ فبراير 2022، فقد سجلت أسعار القمح والشعير حتى الآن ارتفاعاً بنسبة 31%، قياساً بعام 2021.
يضاف الى ذلك تراجع الأمن الغذائي العالمي، حيث رجح تقرير "بؤر الجوع الساخنة" الصادر من منظمة "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، تدهور الوضع الغذائي في 20 دولة تُعرف بـ "النقاط الساخنة"، ومن بينها دول عربية، هي سوريا، ولبنان، والسودان، والصومال، واليمن، وموريتانيا.
والحقيقة أن مصر استعدت لكل هذه التداعيات في وقت مبكر بخاصة على مستوى التوسع في الإنتاج الزراعي وخطط الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية ومنها خطة للدولة لإضافة 1.5 مليون فدان قمح جدد خلال 3 سنوات، في إطار توجيهات رئاسية لتشجيع المزارعين على زراعته. ووفقا لبيانات المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، تم زيادة المساحة المنزرعة بالقمح هذا العام لتصل إلى 3 ملايين و650 ألف فدان، ومن المتوقع أن يصل حجم إنتاج المحصول إلى 10 ملايين طن، ليرتفع إنتاج مصر من القمح بنسبة 8.9% خلال عام 2022/2023. ولكن ذلك لايزال غير كاف لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي. وهم ما يعني اننا بحاجة للمزيد لتحقيق هذا الهدف، بخاصة وان مساحة الأراضي الزراعية في مصر حاليا 9.4 مليون فدان فقط.
لهذا بادرت الدولة بتنفيذ بمشروعات كبرى للاستصلاح الزراعي ومنها استصلاح نصف مليون فدان في سيناء، و 1.5 مليون فدان بالريف المصري. و نصف مليون فدان بمشروع محور الضبعة، و300 ألف فدان في منطقة توشكى. وهي مشروعات تؤكد رغبة قوية في تحقيق الأمن الغذائي لمصر، حيث تعادل هذه المساحات الجاري استصلاحها نحو ثلث المساحة المزروعة بالفعل في مصر.
هذه المشروعات العملاقة للدولة تحتاج في المقابل إلى أفكار عملاقة من جانب النخب الوطنية ومفكرى مصر وعلمائها، ولا شك ان جلسات الحوار الوطني خير منصة لهذه الأفكار، وهنا تجدر التحية لمبادرات علمية نوعية في هذا المجال منها ابتكار الباحث المصري عبد المنعم الجندي الذي توصل بعد 20 عاما من الدراسة، إلى تركيبة وراثية للبطاطا ليتم استخدامها في صناعة رغيف الخبز. وقد تحقق حلمه مؤخرا عندها قررت محافظة الوادي الجديد إدخال صنف البطاطا الجديد "جنداوي" في إنتاج رغيف الخبز.. ونتمنى أن نجد في أروقة الحوار الوطني أفكارا ورؤى على هذا المستوى.
التعليقات