الغول والعنقاء والخل الوفي مستحيلات ثلاثة كتب عنها الشاعر صفى الدين الحلى قائلاً: لما رأيت الزمان وما بهم خل وفى للشدائد أصطفى.. فعلمت أن المستحيل ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي ... أبيات توكد ما كان معتقداً عند العرب وما توارثناه منهم وهو أن الخل الوفي من الثلاث مستحيلات حتى أنه أصبح من الشائع إذا تحدثنا عن شيء صعب حدوثه فإننا نقول إنه من رابع المستحيلات وهذا تأكيد لوجود المستحيلات الثلاثة التي تتحدث عنها الأبيات ... الغول ..... قصد بها العرب جنس من الجن تتغول لهم أي تتلون لهم بأشكال عده فتضلهم عن الطريق. العنقاء .... قيل في وصفها إنها طائر طويل العنق وقيل إنها طائر على عنقه بياض كالطوق وتقول عنها الأساطير إنها طائر عظيم ظهر في عهد سيدنا سليمان ثم اختفى .... وقيل إنه طائر بالحجاز يخطف الأطفال فدعا عليه أحد الأنبياء فاختفى ...وغيرها من الأقاويل.. الخل الوفي ..... هو ذلك الصديق الذي تجده حينما تحتاجه ... يصونك ... يحميك .... يسمع لك ... يفهمك حتى من دون ان تتكلم..
إذا كان هذا هو رأى العرب منذ القدم فما هو حالنا اليوم!! أتذكر مشهد الضاحك الباكي نجيب الريحاني وهو يخاطب جاره شرفنطح في فيلم سلامه في خير قائلاً: إذا لم تكن لى والزمان شرم برم فلا خير فيك والزمان ترللى وهو بيت شعر اقتبسه الريحاني وبديع خيري من كتاب المستطرف ل بهاء الدين الأبشيهى ولا أجد أنسب منه الآن وصفاً لزماننا .... ترى هل توجد فعلاً صداقه حقيقية في هذا الزمان الشرم برم ؟؟!!هل من السهل إيجاد الخل الوفي الذى لم يجده العرب قديماً في زمن النخوة والرجولة ذلك الصديق الذى يكون لك بمثابه القلب يشعر بك ... يحنو عليك ... يحبك ،بمثابه الروح يسعد لسعادتك و يحزن لحزنك ،بمثابه العين بصير بكل أحوالك ،بمثابه الكتف سنداً وعوناً وقت الشده ،بمثابه الضمير يعنفك حين تنحرف عن الصواب فقط لأنه يريدك الأفضل و الأسعد دائماً ...باختصار و كما قال أرسطو (الصديق هو روح واحده تعيش في جسدين) أحقا مستحيل العثور على توأمنا الروحي ... مراًه أرواحنا وانعكاس قيمنا و مبادئنا !!!!
هل بالرغم مما نسمعه من قصص تقشعر لها الأبدان عن الغدر والخيانة من أقرب الأقربون .... عمن يقتلون بدم بارد موجدين لأنفسهم ألف تبرير وتبرير يقنعهم بأنهم فعلوا الصواب ...عن الطعنات في الظهر والطاعن مبتسم منتشي بين الناس بكل فجر فلا يتوارى ولا يستتر.... هل يوجد خل وفى !!!!أم إنه مع مرور الزمن أصبح من عاشر المستحيلات وليس ثالثها أو رابعها فقط. يقول وليم شكسبير (الكلمات سهله مثل الريح، لكن الصديق المخلص يصعب العثور عليه) في حين يقول الإمام الشافعي (سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق العهد مخلصا) معنى هذا أن نيأس من البحث عن الخل الوفي أم إنه جزء من أرواحنا صعب الاستغناء عنه ... وإذا قلنا إنه يصعب العيش بدون صديق هل هناك معايير لاختياره؟! هل هناك أسس تبنى عليها الصداقة حتى تأمن ظهورنا الطعنات؟؟
نصحنا الرسول الكريم (صَل الله عليه وسلم) (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طَعَامِك إلا تقى) أي أن ديننا الحنيف وضع لنا درعاً حامياً من الغدر وقلعه تحصننا من الخيانة ألا وهي أسس وشروط الاختيار والتي حددها رسولنا الكريم باختيار الصديق المؤمن التقى فمن يتقى الله ويخاف معصيته ستكون أولى من يتقى الله فيه.... وقد جاء في الإنجيل آيات من الكتاب المقدس مؤكدة نفس المعيار (الصديق الأمين دواء الحياة والذين يتقون الرب يجدونه) سفر يشوع بن سيراخ 16:6 ولم يكن هذا هو المعيار الوحيد الذي أمرنا الرسول الكريم باتباعه فقد نصحنا أيضا :(المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وفي الإنجيل نفس المعنى (من يتقى الرب يحصل على صداقه صالحه، لأن صديقه يكون نظيره) سفر يشوع بن سيراخ 17:6 ..... فليختر كل منا شبيهه .... ند له في الأخلاق، في المثل، في القيم ولنبتعد عن كل من هم مختلفون حتى لا نصطدم بما لا تهواه نفوسنا، و ما لا تتحمله صدورنا ... إذن وبرغم كل شيء ..... سلام على من لم تلونهم المصالح ... لم تغيرهم المنافع والاهواء .... من لم يخذلونا
إذن وبرغم كل شيء ... كن صديقي..
التعليقات