لوحة بتوقيع مخرج الفيلم كشفت عن كارثة لم يُشر أحد إليها من قبل !
- نتذكر ما كانت عليه "السينما المصرية" من أمجاد، ونتغنى، ونتأسى، على "الزمن الجميل"، وربما نتأسف على ما وصلت إليه الصناعة من تراجع، وتدهور !
- لكن قادتني الظروف، في الايام القليلة الماضية، لاكتشاف مُثير، قد يقلب الأمور رأساً على عقب، ويدفعنا لمراجعة الكثير من البدهيات، التي صرنا نتعامل معها بوصفها حقائق، ومسلمات !
في سياق محاولة لتوثيق معلومة، في بحث سينمائي ما، عدت لمشاهدة فيلم "جريمة في الحى الهادئ" (إنتاج 1967)، الذي يتناول الواقعة الحقيقية لاغتيال اللورد موين، وزير المستعمرات البريطانية فى الشرق الأوسط، والذي أتفق أن تكون القاهرة مقراً له، قبل اغتياله، في حي الزمالك، يوم 6 نوفمبر 1944، على أيدي شابين يهوديين عضوين في منظمة «لوحامى حيروت يسرائيل- ليحى» الإرهابية، ومعناها «المحاربون لأجل حرية إسرائيل»، التابعة لمنظمة «شتيرن» الصهيونية، التي دبرت الاغتيال لإخراس أي صوت ضد مباديء الصهيونية، بعد ما أتهم اللورد البريطاني بالإدلاء بتصريحات مُعادية للكيان الصهيوني، ومُناصرة للفلسطينيين، والسبب الثاني للاغتيال، والأهم، الاساءة لسمعة مصر في العالم، والإيقاع بينها وبريطانيا.
فضيحة بتوقيع المخرج
لعبة القط والفأر
من هنا وضعت «شركة القاهرة للإنتاج السينمائي» الفيلم، الذي كتب قصته اللواء عبد المنصف محمود، ضمن خطة إنتاجها، وكلفت المنتج حسن رمزي بتنفيذه، عبر نظام المنتج المُنفذ، وبدوره قام بكتابة السيناريو والحوار مع السيد زيادة، واختار لإخراجه حسام الدين مصطفى، الذي أسند أدوار البطولة للفنانين : نادية لطفي، رشدي أباظة، زوزو نبيل، سهير المرشدي بينما اختار رشوان توفيق وزين العشماوي لدوري الشابين اليهوديين إلياهو حاييم وإلياهو بيت زوري، اللذان ألقي القبض عليهما، أثناء محاولتهما الفرار، على دراجتين، بعد الاغتيال، وقضت محكمة عسكرية، بإعدامهما شنقًا.
المفاجاة!
واقعة ضمن الكثير من الوقائع التي توقفت عندها السينما المصرية والعربية والعالمية، لتسترجعها أو توثقها او تستخلص منها عبرة، عظة، قيمة أو رسالة، لكنني فوجئت، وأنا أطالع "التترات" - عناوين الفيلم - بلوحة بتوقيع حسام الدين مصطفى، مخرج الفيلم، يقول فيها : "نظراً لوقوع الجريمة فعلاً في شوارع القاهرة عام 1944، ونظراً للتغيير الكبير الذي حدث لهذه الشوارع الآن، فقد تغاضيت سينمائياً عن فارق السنين، وصورت الحدث في شوارع القاهرة عام 1967" !
على دراجتيهما بعد الاعتيال
زعما أنهما من مصلحة التليفونات
هل يمكن تصديق هذا؟
المخرج يعترف، علناً، أنه "استسهل"، وزيف، وبدلاً من أن يُقدم فيلماً يحاكي الواقعة الحقيقية، أو يقترب منها، لجأ إلى أرخص الطرق، وصور في زمن آخر مختلف (!)
.. وتتوالى الأسئلة التي فجرتها صدمة الاكتشاف:
تُرى لماذا قررت «شركة القاهرة للإنتاج السينمائي، ومنتجها المنفذ، التصدي لإنتاج فيلم تدور أحداثه عام 1944، وأحداً منهم لا يملك المال، والموازنة، لتصميم، وبناء، ديكورات تحاكي الفترة التي حدثت فيها جريمة الاغتيال ؟ وأي مصداقية في أن تُتابع واقعة تعرف أنها جرت عام 1944 لكنك ترى معالم القاهرة عام 1967 ؟
تكوين الكادر عند حسام الدين مصطفى
أعترف أن غضبي، ودهشتي، لا يمنعاني من القول إن المخرج حسام الدين مصطفى صنع من «جريمة في الحي الهاديء» فيلم إثارة، وتشويق، على درجة عالية من الحرفية؛ بفضل الحبكة الدرامية، التي جعلت الفيلم أقرب إلى أفلام الجاسوسية، المأخوذة عن ملفات الاستخبارات، ورغم أن الموسيقى التصويرية اعتمدت على مختارات عالمية فإنها أختيرت بعناية لتواكب الأحداث المتلاحقة. وفِي ظل الإتقان الواضح، والسيطرة التامة على العناصر الفنية؛ خصوصاً المونتاج (حسين أحمد) والتصوير (وديد سري)، يُظهر حسام الدين مصطفى قُدرة هائلة على اختيار، وإدارة، وتوظيف، ممثليه؛ بحيث لا تستطيع التفريق بين ممثلين مُخضرمين مثل : نادية لطفي، رشدي أباظة وزوزو نبيل، وجيل واعد؛ على رأسه رشوان توفيق وزين العشماوي ومعهما سهير المرشدي، وممثلين عُرفوا بتفوقهم في الأدوار الداعمة؛ مثل : محمد صبيح، نصر سيف (سُمعة) وسمير ولي الدين. غير أن مفاجأة الفيلم تمثلت في الاستعانة بالرائد الأمين عبد الله، الذي تعقب الشابين اليهوديين على أرض الواقع، ونجح في القبض عليهما؛ فأضفى اختياره ليجسد شخصيته الواقعية على الشاشة مصداقية كبيرة على الواقعة، والفيلم، وربما خفف قليلاً من آثار التزييف، الذي أصاب فيلم "جريمة في الحي الهاديء"، وكاد يحوله إلى "فضيحة" في السينما المصرية !
التعليقات