بين الحين والآخر يُفاجئني، بشكل شخصي، المجلس الأعلى للثقافة، عندما يمنح جوائز الدولة «التقديرية- النيل- التفوق – التشجيعية» في مجالات الفنون، على وجه التحديد، لأسماء شخصيات «خارج الصندوق»، وربما بعيدة عن التكهنات، مثلما حدث عقب الاجتماع الـ67 للمجلس؛ حين أعلن عن فوز الفنان القدير رشوان توفيق بجائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون، وكأن الدولة تثمن، بفخر، جهده، وتُقدر، باعتزاز، عطائه، وتوقر، كثيراً، احترامه لنفسه وفنه وجمهوره.
إلياهو حكيم في فيلم جريمة في الحي الهاديء
لكن ما لا يعرفه أبناء الأجيال التي اعتادت رؤية «الحاج رشوان»، في الأدوار الدينية (محمد رسول الله إلى العالم، الإمام الغزالي، أبو حنيفة النعمان، الحسن البصري، القضاء في الإسلام والإمام المراغي)، والتاريخية ( هارون الرشيد وسليمان الحلبي)، والاجتماعية (أصعب قرار ، امرأة فوق العادة ، بره الدنيا، قانون المراغي، خاتم سليمان وعفاريت عدلي علام)، والصعيدية (الضوء الشارد والليل وآخره وسلسال الدم)، أن الفنان الذي ولد في 2 فبراير 1933، في بني سويف، وتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وعمل في مطلع حياته العملية كمدير استديو بالتليفزيون، ومساعد مخرج، ومذيع، وعضو في فرقة مسرح التليفزيون، ثم مخرج لبرنامج "من الجاني؟"، كانت بداية مسيرته الفنية مختلفة تماماً؛ فقد عرفه أبناء جيلي، والأجيال السابقة علينا، بأدواره، وشخصياته، السينمائية، التي كانت مرتبطة بالجدية، والمثالية، والنفس السوية؛ فهو إما ضابط وطني في "بين القصرين" أو عضو في مقاومة الاحتلال البريطاني في "الجزاء" او "نقيب شرطة" في "المخربون" أو "ولي العهد"، الذي انضم إلى تكتل الأحرار الذين ثاروا ضد الإمام في "ثورة اليمن" .
غير أن المثير، واللافت، أن رشوان توفيق حصل على جائزة التمثيل (دور ثان)، عن الدور الوحيد الذي انقلب فيه على نهجه في اختيار أدواره، من منطلق أخلاقي، وهو دور "إلياهو حكيم" في فيلم "جريمة في الحي الهاديء"، إخراج حسام الدين مصطفى؛ فالشخصية لشاب يهودي التحق بعصابة "شتيرن" اليهودية الإرهابية، التي جندته، مع شاب يهودي آخر، لاغتيال اللورد موين، السياسي الأنجلو إيرلندي، الذي كان وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط، لموقفه المناهض للمنظمة الصهيونية . ويروي الفيلم المأخوذ عن قصة كتبها اللواء عبد المنصف محمود، والسيناريو والحوار حسن رمزي (منتج الفيلم) والسيد زيادة، أحداث الواقعة الحقيقية، التي انتهت بإلقاء القبض على الشابين، أثناء محاولتهما الفرار، على دراجتين، بعد الاغتيال، وقضت محكمة عسكرية، بإعدامهما شنقًا.
سطوع نجم الشاب رشوان توفيق، في سينما تلك الفترة، كان واضحاً، وملموساً، بدليل تعاونه وأهم مُبدعي تلك السينما؛ فعمل تحت إدارة مخرج الروائع حسن الإمام في "بين القصرين"، ومع القديس عبد الرحمن الخميسي في "الجزاء"، ومع عاطف سالم في "ثورة اليمن"، ومع كمال الشيخ في "المخربون"، ومع حسام الدين مصطفى حصل على جائزة أفضل ممثل دور ثان عن فيلم "جريمة في الحي الهاديء". الأمر الذي يؤكد جدارته بتقديرية الدولة، وبتكريم مستحق، وإن جاء متأخراً، وصدقوا عندما قالوا : "أن يأتي متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً" !
تقدير مُستحق وجائزة دولة في مكانها
التعليقات