انشغل سكان المحروسة في يوم 21 مارس هذا العام بعيد الأم، رغم أنه يوافق أيضًا الاحتفال باليوم العالمى ضد العنصرية، ولم يلتفت إلا القليل من أصحاب الرؤى والأبحاث لأهمية هذه المناسبة وتصديها للممارسات المشينة الحاصلة في كافة الأنحاء وبلا هوادة، ومدى تحقيقها نتائج ملموسة على أرض الواقع أفضل ألف مرة من خروجها على هيئة توصيات مطلقة.
وأنا هنا لا ألوم أحدًا، فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، لكن المؤسف أن الأعراق والأجناس والمذاهب والطوائف مازالت تتصارع وتتحارب مع بعضها البعض، في سلسلة لا تنتهى من العنصرية والتميز مع وجود الأمهات في كل مكان، فهناك حرب العمائم بين السُنّة والشيعة، وتناطح المذاهب والطوائف في لبنان، ونزاع الهوية بين إسرائيل وفلسطين، وصراع الأفيال في الشرق الأوسط، ومؤخرًا، الغزو الروسى لأوكرانيا.. وغيرها من الأزمات الدائرة بين طرفين، والقائمة طويلة ومرعبة من الأفعال الوحشية التي تقوم على اضطهاد وتهميش فئات معينة لأسباب منها العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الثقافة.
وقد تصل إلى استخدام العنف بكل صوره وأساليبه، ومن قبله فرض السيطرة والوصاية والتحكم في مصائر الأعراق والأجناس والألوان والأديان الأخرى، وبالطبع هذا التميز العنصرى بكافة أشكاله يؤدى إلى تفكيك الروابط الاجتماعية كما يولّد مشاعر البغض والضغينة ويؤدى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار تنعكس سلبًا على جميع مناحى الحياة.
وفى هذا الصدد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية والمحلية أن البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق والواجبات ولديهم القدرة على المساهمة البناءة في تنمية مجتمعاتهم، وأن أي مبدأ للتفوق العنصرى هو زائف علميًا، ومدان أخلاقيًا، وظالم اجتماعيًا، ويجب رفضه، وقد قامت الجمعية على مدى السنوات الماضية بحظر التميز العنصرى ليتضمن جميع الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وفرضت هذه الصكوك التزامات على الدول للقضاء عليه في المجالين العام والخاص، ومبدأ المساواة هذا يتطلب من الدول اتخاذ تدابير خاصة للحد من الظروف التي تسبب أو تساعد في إدامة هذه العنصرية، وقد أعجبتنى كلمات كتبها البروفيسور فاروق الباز في هذا الشأن، فقال:
«تخيلوا لو أننا لا نسمع فيروز لأنها أرثوذكسية ولا نعترف بنزار قبانى كشاعر لأنه سُنّى، ونمحو السياب من الذاكرة ولا نقرأ للماغوط لأنه إسماعيلى ولا نتأثر بأدونيس وبدوى الجبل لأنهما علويان ولا ندرج فارس الخورى في كتب التاريخ لأنه مسيحى، ولا نلتفت لسلطان باشا الأطرش لأنه درزى ونمتنع عن الضحك مع دريد لحام لأنه شيعى، وننكر غاندى الذي ألهم الكثير من الأحرار لأنه هندوسى ونجرد أينشتاين من علمه لأنه يهودى ولا نشاهد أوبرا وينفرى لأنها سمراء.. يا بشر كفوا عن مقاطعة الإنسان بسبب لونه أو جنسه أو مذهبه أو ديانته. قاطعوا الشر داخلكم الذي يحرمكم من تراثكم، العلوم ترجمها العرب عن اليونان ولم يقاطعوها لأنها وثنية، الحكمة ضالة المؤمن.
حيث وجدها اتبعها، والإنسان الذي يتقوقع ولا يتواصل مع الآخرين لمجرد تعصبه لفكر أو ديانة أو مذهب أو لون ينتهى علمه وأدبه ويرجع إلى ما قبل كتب التاريخ، لا تغيروا أخلاقكم ولا تخونوا عقائدكم، ولكن احترموا الآخر وحقه في الحياة، احترموا أخوكم الإنسان لتنعموا بالأمان».. إلى هنا ينتهى كلام دكتور فاروق الباز وأزيد أنا من الشعر بيتًا.. «أيها العنصرى لا تتفاخر بما أنت عليه فما تملكه هو حق انتفاع.. كنت مين قبل ما العالم يقرر تبقى إيه؟!».
التعليقات