يختلف الساسة والمحللون العسكريون حول الأسباب والمبررات التي اقتضت إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي ، كما يختلفون حول نتائجها الإنسانية، على اليابانيين خاصة والبشرية بصفة عامة.
يرى البعض أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان أخطأ عندما قرر إلقاء القنبلة الذرية مقابل شروط استسلام غير مبررة ، في الوقت الذي كان من الممكن إنهاء الحرب لصالح الحلفاء بطرق أخرى أقل تكلفة. بينما يرى البعض الآخر أنه لم يكن من الممكن هزيمة اليابان بوسيلة أخرى، خاصة بعد أن زحف الجيش الياباني على مناطق شاسعة من الصين ، إندونيسيا ، فيتنام وآلاف الجزر على المحيط الباسيفيكي. كما أن الهجمات الجوية للفدائيين من سلاح الجو الياباني كانت تحصد آلاف الأرواح في الجزر التي تحتلها قوات الحلفاء ، ومن مبررات إلقاء القنبلة النووية التي ساقها البعض أن أي هجوم تقليدي على إحدى الجزر اليابانية الرئيسة مثل كيوشو كان يتطلب (770) ألف جندياً وكانت تقديرات الخسائر المتوقعة أكثر من (100) ألف جندياً. وفوق ذلك كله ينظر البعض لتجربة القنبلة وخسائرها ثمن السلام الذي تنعم به البشرية خلال العقود الخمس الماضية ، خاصة وهنالك من يقول أن اليابانيون كانوا يتجهون بخطوات ثابتة نحو إنتاج القنبلة الذرية التي حصلوا على أسرارها بواسطة الجاسوس الياباني الذي كان يعمل طباخاً في معسكر التدريب الخاص بتحضيرات القنبلة الذرية في صحراء نيفادا بالولايات المتحدة الأمريكية. وكان فارق الزمن بين المحاولات الأمريكية والمحاولات اليابانية أياماً معدودة. كما أن فرص التحالف الروسي الياباني كان وارداً.
بعد أن تأكد الرئيس الأمريكي هاري ترومان من سلامة نجاح تجربة السلاح الجديد أصدر إعلانه الشهير بإعلان بوتسدام (إحدى ضواحي برلين) في 26 يوليو 1945 مطالباً اليابان بالاستسلام غير المشروط لجمـــيع الجيوش اليابانــية أو مواجـهة الدمار التام “Utter Destruction". وفي المقابل أعلن رئيس وزراء اليابان آنذاك الأدميرال سوزوكي كانتارو رفض اليابان لإعلان بوتسدام. وقد جاء هذا الرفض داعماً لموقف الرئيس الأمريكي ترومان والذي كان يواجه أيضاً المعارضة حول قراره باستخدام السلاح النووي. كان اعتقاد ترومان جازماً بأن السلاح النووي سوف ينهي الحرب في أقصر فترة ممكنة ، وفيه مصلحة للشعبين الأمريكي والياباني، وحماية للمدن اليابانية التي كانت تتعرض لغارات جوية كل ليلة.
ألقيت القنبلة الذرية الأولى في هيروشيما في السادس من أغسطس 1945، ثم ألقيت الثانية في نجازاكي في التاسع من أغسطس 1945. وتشير وقائع اجتماعات مجلس الوزراء الياباني الذي عقد في التاسع من أغسطس 1945 إلى الآتي:
في التاسع من أغسطس 1945، أي بعد ثلاثة أيام من إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما اجتمع المجلس الياباني الأعلى لإدارة الحرب بحضور الإمبراطور هيروهتيو في غرفة تحت الأرض أسفل القصر الإمبراطوري في طوكيو. كان المجلس المكون من ستة أعضاء منقسماً: رئيس الوزراء سوزكي ، وزير الخارجية توقو شيقينوري ووزيـر البحرية يوناي متسوماسا كان من رأيهم أن اليابان لا تملك القوة على المقاومة ويفضلون الاستسلام مقابل أن يحتفظ اليابانيون بالإمبراطور. أما رئيس الأركان أو ميذو يوشيجيرو ، رئيس أركان البحرية تويودا سويموو وزير الحرب الجنرال أنامي كورشيكا فقد كانوا يعارضون الاستسلام ، ما لم تتضمن المعاهدة ما يؤكد الآتي:
• عدم احتلال أمريكا لليابان.
▪ عدم محاكمة مجرمي الحرب.
▪ وضع الثقة في اليابانيين ، ليتولوا بأنفسهم نزع السلاح.
انتظر المجلس ثلاثة أيام بعد إلقاء قنبلة هيروشيما ، ثم اجتمع في الساعة 11 من صباح 9 أغسطس 1945 لمناقشة احتمالات امتلاك أمريكا لقنبلة أخرى من ذات النوع ومدى إمكانية استخدامها في ظل الرأي العام العالمي المعارض. وكان اتجاه وزير الحربية يميل نحو الانتظار حتى تتقدم القوات الأمريكية إلى الأراضي اليابانية حتى يتمكنوا من قتل أكبر عدد ممكن من جنود الحلفاء ، وبالقدر الذي يدعم موقفهم التفاوضي. مع بداية الاجتماع دخل على المجلس أحد الموظفين ليبلغه بنبأ إلقاء القنبلة الثانية على نجازاكي. ورغم ذلك أصر العسكريون الثلاثة في المجلس أنامي ، أوميزو وتويودا على موقفهم القاضي بعدم إنهاء الحرب. عندما اجتمع المجلس للمرة الثانية في مساء نفس اليوم برئاسة الإمبراطور هيروهيتو واستمر النقاش بين الأعضاء الستة (ثلاثة يؤيدون وثلاثة يعارضون) ، أكد الجنرال أوميزو بأنه من الممكن الحد من القنابل النووية بمواصلة الضربات الجوية ، بينما أعلن الجنرال أنامي أن لديه (100) مليون ياباني جاهزون للموت في سبيل الشرف.
بعد نقاش دام ساعتين دون التوصل لقرار ، قام رئيس الوزراء سوزوكي بمبادرة كانت الأولى من نوعها ، وهي الطلب إلى الإمبراطور هيروهيتو - رئيس الجلسة - بإبداء رأيه. فوجئ الجميع بالمبادرة وانتظروا حسم الخلاف بصوت الإمبراطور بصفته ورئيس الاجتماع. الذي أعلن قائلاً:
"أنا لا أستطيع أن أتحمل معاناة مواطني الأبرياء أكثر من هذا … لقد جاء الوقت لنتحمل ما لا يطاق.. ونقبل إعلان الحلفاء." كان صوت الإمبراطور مؤثراً … وأجهش الحضور بالبكاء.
في صباح العاشر من أغسطس 1945، بعث وزير الخارجية توقو ببرقية إلى سويسرا مبلغاً الحلفاء بقبول اليابان إعلان بوتسدام بشرط أن يحتفظ الإمبراطور الياباني بمكانته كرمز للسيادة الوطنية. رأى معظم مستشارو الرئيس الأمريكي ترومان قبول إنهاء الحرب والموافقة على رغبة اليابانيين على بقاء الإمبراطور كضمان للسيادة. وفي المقابل كان الروس والأستراليون والهولنديون يميلون إلى محاكمة الإمبراطور هيروهيتو كمجرم حرب ، وكان ذلك أيضاً هو رأي الكونغرس الأمريكي.
وفي معالجة دبلوماسية ترضي جميع الأطراف، بعث وزير الخارجية الأمريكي جيمس بريانس ببرقية إلى سويسرا في 11– أغسطس 1945 ، نصها: " ابتداءً من لحظة الاستسلام سوف تكون سلطة الإمبراطور والحكومة اليابانية تحت تصرف القيادة العليا لقوات الحلفاء. أما الشكل النهائي للحكم في اليابان وفقاً لإعلان بوتسدام فسوف يقوم على أساس الإرادة الحرة للشعب الياباني".
وبما أن الولايات المتحدة لم ترد صراحة على مطلب الإبقاء على الإمبراطور ، انقسم المجلس الأعلى في اليابان مرةً أخرى. ولكن كان التدخل المباشر للإمبراطور هيروهيتو في 14 أغسطس 1945 تدخلاً حاسماً ، عندما خاطب المعارضين والجنرال أنامي على وجه الخصوص برغبته في الاستسلام قائلاً:
"رغبتي هو أنكم جميعاً ومع وزراء الدولة أن تنفذوا أوامري والقبول فوراً بالرد الذي جاء من الحلفاء". وفي تلك الليلة سجل هيروهيتو كلمة موجهة للشعب وللجنود اليابانيين على شريط وبعثه سراً مع خادمه إلى الإذاعة لتذاع الكلمة على الملأ في اليوم التالي.
في ظهر 15 أغسطس اصطف أكثر من (60) مليون يابانياً في طوابير عسكرية داخل اليابان وخارجها ليستمعوا إلى كلمة الاستسلام التي وجهها الإمبراطور هيروهيتو. وجاء في الخطاب الذي سجل بلغة يابانية تقليدية يصعب فهمها لدى العامة ما يلي:
"الموقف في الحرب لم يتقدم بالضرورة لصالح اليابان. وفوق ذلك ، بدأ الأعداء في استخدام سلاح جديد أكثر قسوة .. إننا رأينا أن نفتح الطريق لسلام كبير تنعم به الأجيال بتحمل ما لا يطاق" ولتوضيح حقيقة ما جرى في هيروشيما ونجازاكي نعود مرةً أخرى إلى القنبلة النووية وما خلَّفته من دمار من أجل السلام الذي تحقق لليابان والعالم أجمع. وخير من يحدثنا عن آثار القنبلة الذرية على هيروشيما هو الكاتب القصصي الأكثر شهرة في اليابان "إبوسو ماسوجي". بعد أن تقاعد ماسوجي عن كتابة القصص وهو في السادسة والسبعين من عمره ، عاد ليكتب "المطر الأسود" كقصة واقعية استقاها من مذكرات بعض أصدقائه الناجين من قنبلة هيروشيما.
تم بيع ملايين النسخ من كتاب" المطر الأسود" الذي ترجم إلى العديد من اللغات الأجنبية. تتكون قصة "المطر الأسود" من مذكرات صديق الكاتب" شيقيماتسو شيميزو" وزوجته "شيقيوكو" وقريبة العائلة ياسوكو والطبيب إواتاكي ، الشيء الذي يجعل قصة "المطر الأسود" قصة واقعية موثقة تشكل جزءاً من التاريخ الياباني. من الملاحظات التي سجلت عن المذكرات الأربعة المشار إليها ما يلي:
" في السادس من أغسطس كان كل شئ على أحسن حال حيث جلست "ياسوكي" تتناول الشاي مع أحد أصدقائها في الساعة الثامنة صباحاً في إحدى القرى الواقعة على مسافة (60) كيلومتراً من هيروشيما. فجأةً ظهر ضوء شديد اللمعان ، يجمع بين اللون الأصفر والأبيض في كل ركن وزاوية. وقد جاء الضوء من جهة هيروشيما مثل البرق ولكن بضوء يفوق في قوته قوة ضوء الشمس بمئات المرات ، وتبع ذلك الضوء بعد ثواني صوت رهيب يَهز كل شئ على الأرض".
"في نفس الوقت يقول الطبيب" إواتاكي" الذي كان في موقع أقرب إلى مدينة هيروشيما: شعرت بموجة هواءِ حار حول جسمي ثم سمعت صوتاً رهيباً يدوي ويسد الأذن من قوته ، حتى فقدت الوعي".
وفي نفس الوقت أيضاً يقول" شيقيماتسو" الذي كان ينتظر في محطة القطار: "شاهدت كرة ضخمة من الضوء الكثيف ، ثم أعقبه ظلام داكن السواد وأصبحت كالأعمى ، لا أرى شيئاً ولكن أسمع أصوات البكاء والصيحات وآهات أناس يتألمون. وجدت نفسي بين قوة تشدني إلى هنا وهناك حتى ارتطمت بعمود وأمسكت به بكل قوتي. وعندما عدت للوعي وجدت كل شئ حولي كان حطاماً. اتجهت إلى منزلي كل شئ حولي كان يحترق ، وكنت أخطو فوق الجثث وأشاهد جلود البشر التي انسلخت عن الأجساد تغطي الأشجار. هياكل عظمية تمسك بعضها البعض، أطفال تفحمت أجسادهم وعلى أكتافهم بقايا حقائب الكتب. المدارس لا وجود لها ، بينما صفوف طلابها المتفحمة في العراء. كانت هنالك قطع من الحديد والنحاس طارت إلى السماء وظلت عالقة هناك ثم بدأت تتساقط على الرؤوس من وقت لآخر .. كان الجو حاراً جداً وكدت أموت من العطش والجفاف .. المياه في الأنابيب يصعب لمسها لارتفاع درجة الحرارة فيها .. عدت إلى منزلي ووجدته حطاماً .. تحركت مع زوجتي نحو المدينة لتفقد مكان عملي وفي الطريق شاهدت آلاف الجثث مبعثرة أشلاءً وآلاف المصابين الذين لا يقوون على الحركة .. كانت ياسكو ابنة أختي ترافقنا في هذا التجوال داخل المدينة ، وفور عودتنا إلى المنزل عشنا ليلتنا في العراء ، وفي صباح اليوم التالي وجدنا " ياسكو" صلعاء ولا أثر لشعرها الجميل كما أن أسنانها قد تساقطت في الحال".
التعليقات