مين يصدق أن الرواية الي حيرت العالم وأتكتب عنها مقالات وأجريت حولها حوارات عديدة واراء متباينة بين رافض ومنتقد ومشجع أن عنوان هذه الرواية مستوحى من احدى أغنيات الأطفال التى أشار اليها عم نجيب فى احدى رواياته "خان الخليلي" والتي تقول كلماتها التى كان يترنم بها الأطفال:
" ياولاد حارتنا .. توت توت .. انتو نصارى ولا يهود
تاكلو ايه .. ناكل عجوة .. تشربوا ايه .. نشرب قهوة..
مين يصدق أن عم نجيب الكاره لفكرة السفر والترحال والذى يخبرنا أن السفر بيلخبط عليه حياته ويدربك أفكاره ويشتت ذهنه ويبعده عن النظام الصارم الذى وضعه لنفسه طيلة حياته فيفاجئ الجميع و يكتب لنا رواية تسافر وتحلق عاليا الى جميع الاديان السماوية وتبحر عبر الزمن الى زمن سحيق يتولى فيه فتوات الحارة التحكم بمجريات أمورها ولايرتعدون لقانون أو سلطان من أحد . جدير بالذكر ان عم نجيب لم يحلق بالطائرة بعيدا عن أرض الوطن ولم يغترب عن تراب وطنه الا من خلال رحلتى اليمن ويوغسلافيا.
مين يصدق أن هذه الرواية المحرمة قد ألهمت عم نجيب للعودة للكتابة مرة أخرى بعد خمس سنوات عجاف توقف فيها عن الكتابة تماما و أسماها فترة اليأس فى الفترة من 1952 الى 1957 ميلادية وقد أبتدأ فى كتابه مائة وخمسون صفحة من الورق الفلوسكاب فى نقلة جديدة ومختلفة ومتفردة لعم نجيب فى التخلي عن الواقعية الصريحة والمباشرة الى الانفتاح المطلق لعنان السماء الى الرمزية البحتة بعد مشوار طويل من تلك الواقعية المتزامنة مع فيلم "بين السماء والارض" الذى اخرجه العظيم صلاح أبوسيف وبعد ملحمة الثلاثية التي بلغت ذروتها فى " بين القصرين" و "قصر الشوق" وعنما سئل عم نجيب في بداية الجدل عن موضوع الرواية طلب اعفاؤه من اجابة السؤال ولكنه أخبرنا بعد ذلك في حديث مع ناقد صحفي من خلال ندوته الاسبوعية في "كازينو الاوبرا" أنها قصة جديدة من نوع مختلف لم يكتب عنه من قبل وأن الهدف الاساسي الذى يشغل باله البحث عن سر الكون فمن حق البشرية الكشف عن هذا السر وأن البشرية جمعاء بحاجة ماسة الى التفرغ والاستعداد لهذ الامر ولن تتمكن البشرية من ذلك الا بعد القضاء على استغلال الاغنياء للفقراء والصراع بين الناس من أجل لقمة العيش.
مين يصدق أن عم نجيب بجلالة قدره قد ألتزم الصمت التام وعدم التحدث بأى حديث صحفي طوال أيام نشر الرواية على صفحات جريدة الأهرام وكان خايف جدا وهو يسطر هذه الرواية في بداية كتابتها على صفحات الفلوسكاب ليخبرنا أنه متهيب جدا متهيب جدا ( كررها مرتين) – في أحد الحوارات الصحفية معه - وأنه قد دعى ربه في ليلة القدر وقال " يارب ساعدني على اتمام الروايه التي بدأتها فى اكتوبر الماضى - يقصد أكتوبر 1958 ميلادية- ويضيف فى دعائه يارب يتم الاتفاق على منع الاسلحة الذرية حتى نعيش لنحقق أمانينا لأنفسنا ، يارب تنتهي حرب الجزائر بانتصار العرب" كما يخبرنا بأنه يؤمن بالأدب الجيد العميق الشامل الذى يعالج مشاكله بجدية واخلاص وأن الصراحة المكشوفة في هذا النوع من الأدب مثلها مثل الصراحة والمكاشفة في علوم الطب والشريعة وأن ذلك يحمل القارئ على التفكير والسمو لا الانحطاط والابتذال ولعل الخوف مما يسمى بالأدب المكشوف لايأتي من كونه مكشوفا بقدر كونه تافها وسطحيا لاهم له الاثارة والتجارة فلا حياء فى الادب كما أنه لا حياء في العلم واحياء العقل وأن لكل عصر أنبياؤه وأنبياء هذا العصر هم العلماء واذا كان الأمر كذلك فأن العلم أساس الملك وبما أن المللك لله وحده فهو معلم البشرية جمعاء ولاداعي لاسقاط الرمزية بكل جوانبها على من نعترف به ونقر له بأنه رب العالمين ورب العلماء ورب العلم.
مين يصدق أنه فور أعلان سكرتير الأكاديمية السويسرية ستوري ألالان معلنا فوز الأديب المصري نجيب محفوظ بجائة نوبل للاداب محولا صمت القاهرة الى صخب وفرحة وسرور أن عم نجيب كان يبت فى سبات عميق في منزله بعد عودته من صحيفة الأهرام مصطحبا معه بصل أخضر نصحه به صديقه المخرج توفيق صالح باعتبتره علاجا لمرض السكري وأن زوجته هرولت اليه لتوقظه من قيلولته لتزف اليه الخبر السعيد بعد تلقيها مكالمة من محمد باشا الصحفي بالاهرام لينهض منزعجا قائلا لزوجته " كفاية أحلام بقى " ليعاود النوم مخبرها أنه تعود هذا النوع من المزاح من بعض اصدقاؤه لكنها تصر وتعود فتخبره أن الامر ليس مزحة لتنقلب صالة المنزل الى ساحة مليئة بالمراسلين الصحفيين وفجأة يصل السفير السويدي بالقاهرة وعندها أنشغل ذهن عم نجيب بحكاية البصل الأخضر وظل يتحدث الى السفيرالسويدي واضعا يده على فمه طول وقت اللقاء!
للرواية اقتباسات أحب اسرد بعضها فى السطور التاليه مع سؤال مفتوح لعم نجيب يمكن يجاوبنا عليها فى قراءات وروايات أخرى له عشان حيرنا معاه هذا العبقرى فلايمكن اغفال تلك الاقتباسات وهي بمثابه قاموس شامل للحياة بفكر وعقل واع و يمكن من خلال تلك الاقتباسات العميقة التمعن فى رسائلها والاستشهاد بها في أمور حياتنا اليومية ولايعقل أن نختزل هذا المجهود العظيم في أمورقد يغلبها النية التي لايعلمها الا الله ففي ثنايا وسطور الرواية مايستحق القراءة والتمعن فكما أسلفنا سابقا أن العلم أساس المللك –" بلسان عم نجيب" ولاعدل الا فى السماء.
الخوف لا يمنع من الموت و لكنه يمنع من الحياة ... ومين فينا مش بيخاف ده حتى عم نجيب كان مرعوب مع نهاية سطور الرواية وقبل النشرولم يكف لسانه عن الدعاء فى ليلة القدر؟
ولكن آفة حارتنا النسيان كما يقول أيضا عن النسيان ومن الحكمة نسيان الماضي، لكن ليس لنا من زمن غيره ... فالنسيان نعمة كما يخبرنا الكثير ولكن ماذا يجب أن نتذكر وما يحق لنا نسيانه ياعم نجيب ؟
العمل من أجل القوت لعنة اللعنات ... كلامك صح ياعم نجيب ولكن هل تتحدث عن العمل المدمج بالعلم لأنك مؤمن بأن العلم أساس المللك ؟ أم أن هناك علوما أخرى تنقلنا لعالم أكثر عدلا ؟
في النهايه أحب أقولك اقرى الرواية الي بيقولوا عليها الرواية المحرمة وأتعرف بنفسك على جبل ورفاعه وقاسم وعرفه وأنت مطمن تماما أنها هتنقل عقلك وفكرك لمكان أخر يرتقي بك كلما قرأت لهذا العم النجيب الي حيرنا معاه.
التعليقات