هل تصورت يومًا حياتك وكأنك تسير في حارة مرورية ضيقة بخط متصل؛ لا يمكنك تجاوزه ولا تعرف لِكم من الوقت تستطيع التقدم، ومتى يمكنك أن تتوقف لترتاح.
كذلك هي بعض الحيوات.
بإرادتك أو غصبًا عنك يُسلب خيارك في كل شئ. لا تملك التغيير، لا يمكنك أن تعترض ولن يسمع لك أحد.
أنت وحدك كطير تراه يبدو بخير على الشجرة، كُسِّرت أجنحته! تظنه بخير رغم أنه مهيض الجناحين، عاجز عن التغريد والطيران والتقاط رزقه.
هناك أُناس لا تملك محوهم، مروا على عمرك بقسوة وأبى القدر أن يسمح لك بتجاوزهم، إما لرقة قلبك أو ضعفه.
خطأ مُهين أن تستمر في هذا الاعوجاج النفسي، استغني!
خُذ مخالفة مرورية وتجاوز الخط. تحرك من فوق الشجرة، لقد مر وقت طويل ولابد أن أجنحتك قد التئمت. لست مطالب بالبقاء هنالك قط بعد اليوم.
أعرف الكثير من الناس قد فعلها.
يُقال أن محاولاتك المستمرة لإقامة الحياة من حولك ستنجح دائما، طالما أصررت على ذلك وكان لديك العزم الكاف المستمر لتغدو بخير.
لكني وبكل أسف أظن أن في بعض الأحيان هذا لا يحدث، بغض النظر عن إخلاصك التام وتفانيك. لكن المؤكد أنك سَتُجَابه أيامك وأنت تحمل من خبرات الدنيا ما يمكنك أن ترى به الأبيض والأسود وتُجيد التمييز بينهم.
وهل هناك من لا يعرف كيف يميز بين اللونين؟ نعم، الأغبياء بالوراثة.
يقال أن المثابرة دائمًا تُأتي ثمارها؛ نعم قد تفعل في معظم الوقت، لكن ليس في دنيا الجميع.
رغم أنك قد تبدو جيد جدًا وتستحق كل الخير وتُرى من المميزين، لكن لا يصيبك الدور.
وهل هذا هو العدل؟
بلا يا صديقي، إنه القدر!
لم يُكتب لك بعد ما تريد.
ولكن، هل أجْني شئ من هذا الهراء؟ هل سأبقى معلقا على الشجرة؟ وهل سأطير ويسمح لي بتجاوز الخطوط؟
الحقيقة أني لا أعرف، لكني أعلم جيدًا أن محاولاتك المستمرة لتمكث بخير وأن تظل نفسك التي تعرفها فيها معظم إنجاتك.
أرزاقنا في الدنيا متباينة، لكني اختبرت جيدًا خروجي عن نفسي التي أعرفها، وكان ذلك يقتل بداخلي الحياة.
صحيح أنك تحتاج بعض التخلي لتجاور أحزانك وتتجاوزها، ولتبقى إلى جانبها بخير؛ لكني أؤكد لك أن في محاولاتك المستمرة لإقامة الحياة فيها الكثير من دفء وحرارة أيامك.
المثابرة عقيدة كأيمانك بالله والكون وخَلْق واستمرار الحياة.
وأحب أن أُبشرك بأن على الصبر تؤجر وتنال مَثوبتك، وأنك تكافأ بسخاء على حلاوة قلبك؛ فإن خسرت لسنوات من المؤكد أن تلك الخسارة لن تستمر.
لا شئ يدوم! لا شئ على الإطلاق.
كل ما أحتاج حقًا أن استمر وقلبي بخير، وألا أسمح لمن احترف موهبة الغباء أن يعرقل خطواتي، ثم انتظر الحصاد فيما يعلم الله أنه الأهم لقلبي، وأنا حقًا لا أعلم.
ولا تنسى حقيقية أن القرود على الأشجار تجد من يغازلها!
حتما ليس كل ما تُتقنه تَتَفَوق فيه وتُرزق من خلاله، لكن بالقطع رزقك سيأتي بقدر حلاوة روحك ومحاولاتك المستمرة أنْ تُمَرِر السعادة من خلالك.
أنت لا ترزق لأنك تستحق، بل لأنك قد تفعل ما يستحق.
أتعلم يا صديقي أن هناك من يسموا صائدو السعادة، هم قِلة من البشر ممن يعرف كيف يلتقط خيوط الأمل في دروبهم. لهم أنوف تَشْتَم الفَرَج وتستقبله، وأعين تلتقط المبهجات وتعظمها، وأرواح تختزن كل ما سبق.
كن من هؤلاء حتى إذا حادت أقدارك عن الطريق، تجد ما يرضيك ويُرْبيك.
ليست كل الثمار على الأشجار صالحة للقطف، وليس جميع الثمار المقطوفة صالحة للأكل، وحياتنا محصلة بسيطة من هذا التوازن.
لا أعرف متى تأتيني راحة البال، لكني أعلم بحق أنها ليست بيد بشر؛ لكُنْت قد هلكت.
ما أعرفه جيدا وبحق أن نعمة تَمَخُض الحياة في أرواحنا، هي أجمل ما يستحق المثابرة من أجله في هذه الدنيا.
كذلك أعرف أن لو سَمح الله لي أن أستأذن في الخروج من الدنيا في وقت مبكر، فلن أفعل.
لن أفعل حتى أختبِر وأُختبر وأتعلم أن جوائز الدنيا موجودة، وأنها حق وأن ما أصبو إليه حقيقة موجودة لكني لم أمتلك بعد البصيرة الكافية لأراها.
وأنه رغم أن هناك من تعمد اختصار حقي والمرور على قلبي، لكني لن أتخلى أبدًا أن أكون في دنيايا عابر سعيد.
التعليقات