"أنا مطلقة، ولدي طفلان ... ولد في الصف الثالث الابتدائي وبنت في الصف الأول الابتدائي وهذا بعد زواج دام لعشر سنوات .... تزوجت في عمر السابعة عشر من رجل يكبرني بخمسة عشر عاما .... رآني لأول مرة في حفل زفاف أحد الأقارب – و يا ليت قدمي قطعت ولم أذهب لهذا الحفل – جاء و طلبني للزواج .... وكان مناسبا في كل شيء من وجهة نظر والداي اللذان يفهمان في مثل هذه الأمور أكثر مني ..... فوافقت ... طلب عدم استكمالي للدراسة بعد الثانوية العامة .... فقال لي أهلي أمان المرأة في الزواج ولا يهم أي شيء آخر .... وبأية حال هو لا يريدك أن تنهمكي في التعليم والعمل ... فهو يريد راحتك ... فاقتنعت ووافقت ... تزوجت وانتقلت معه إلى محافظة أخرى حيث مسقط رأسه وأهله .... لأعيش وحيدة في بلد لا أعرف من أهلها أحدا .... وبعد فترة طلب مني العمل لمساعدته في مصاريف المنزل .... تعلمت مهنة التمريض بالممارسة وعملت مع أكثر من طبيب لجلب المزيد من المال، وكان يأخذه ولا يسأل حتى عن مصدره …. فما يهمه هو المال فقط .... بدون الدخول في تفاصيل مفهومة ومستنتجة .... أصبحت زوجة وأم مريضة بالضغط والسكر والقلب في أوائل العشرينات .... تعيسة في زواجي ولكن أتحمل من أجل أولادي فليس لهم ذنب ... ومرت الأيام ثقالا إلى أن جاء اليوم الذي تم تشخيصي فيه بأنني مريضة بسرطان الرئة .... بدأت بالعلاج وأخدت جلستين من العلاج الكيماوي .... نحلت وضعفت وسقط شعري .... ليفاجئني زوجي بقراره بأنه لن يتحمل أكثر من ذلك وأنه سيتزوج من أخري ويتركني أتعافي وحدي ثم يعود إلى بعد الشفاء إن شاء الله .... ولأول مرة في حياتي أقول لا رفضت وطلبت الطلاق .... لأجده فرحا بذلك وبالفعل ذهبنا إلى المأذون وتطلقنا وأنا سعيدة إلى حد جعل المأذون يسألني لماذا لا تبكي؟ لماذا أنت سعيدة كل هذا القدر؟ .... وبعد أيام اكتشف طبيبي أن تشخيصي خطأ وأنني لست مصابة بالسرطان .... لا أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة .... كانت مشاعري ممتزجة بين الفرح لأنني بخير وبين الغضب من العلاج الذي تحملته وأسقط شعري وأنا لست بحاجة له ... ولكن بعد تفكير توصلت إلى أن كل هذا تدبير من ربي لأتخلص من هذه الزيجة التي قصفت بعمري وشبابي .... فأنا الآن مخطوبة لرجل لم يسبق له الزواج ويكبرني بثلاث سنوات فقط ... أحبه ويحبني وهو الآن ينتظرني أمام عيادة طبيب القلب الخاص بي.
هكذا روت لي فتاة – ظننتها في البداية طالبة في الجامعة في مثل عمري – منهارة بعدما اكتشفت فقدان حقيبة يدها بما فيها من مال وأوراق شخصية.. حيث كانت جالسة بجواري في طريقي إلى الجامعة.
لأتذكر موقفا مشابها حدث معي منذ سنة تقريبا .... عندما قابلت سيدة في القطار جالسة أمامي حزينة بائسة لم أجد طريقة للتحدث معها .... إلى أن طلبت رأيي في كيفية تحويل ابنها من التعليم الأزهري إلى التعليم العام لرغبته في دخول الثانوية الفنية .... ثم أخذت تروى لي قصتها ... بأنها تزوجت في عمر صغير من رجل كريم في بيت عيلة وكان ونعم الزوج والسند والأمان .... لتعيش معه ما يقارب السبع سنوات لتنجب خلالهما ثلاثة أولاد وفتاة .... كان الأخير رضيعا حين مرض زوجها بمرض في الكبد حيث كان وراثيا في عائلته .... اعتنت به وبأولادها مع تأدية دورها في خدمة العيلة بأكملها .... ليموت الزوج بعد أشهر وهي مازالت في أوائل العشرينات .... أصبحت أرملة لديها أربعة أولاد لا حول لها ولا قوة .... مر على هذا سنوات .... حيث أن ابنها الصغير الآن ذهب إلى المدرسة .... والابن الأكبر في نهاية الثانوية العامة ويحلم بدخول كلية الهندسة على الرغم من كل الصعوبات التي تواجههم .... حيث لا يوجد مصدر دخل لهم غير معاش قدره ألف جنيه يأخذ عمهم نصفه بحجة فاتورة الكهرباء والماء .... والثاني الآن هو المشكلة التي قابلتني صدفة من أجلها .... الولد غاضب وكاره لعمه وجدته وللمنزل بأكمله ويريد الفرار منهم للخارج وعدم استكمال الدراسة بعد أن تعلم حرفة يدوية يعتقد أنها ستؤمن له حياة مستقرة ومستقلة ماديا بعيدا عن ظلم عمه الكاره لهم لأنهم متفوقون دراسيا أكثر من أبنائه .... وهي تبكي وتقول : أنها تحملت كل هذه السنوات تعمل صباحا في أرض العائلة رافضين حتى إعطائها أجرة على العمل ومساء تعمل في المنزل .... مع رفضها حقها في الزواج مرة أخرى فقط لكي تراهم في الجامعة .... فكيف يقول الآن أنه لا يريد استكمال دراسته.
في الموقف الأول كان الزوج ظالما لئيما ... وفي الموقف الثاني كان الزوج رحيما صالحا ولكن النهاية كانت ذاتها بالنسبة للزوجة ... تعاسة وبؤس وشقاء للفتاة التي تزوجت في عمر الطفولة واللعب والدراسة .... تزوج ابنتك حتى تؤمن مستقبلها – في وجهة نظرك – تعطيها لرجل يمكن أن يكون لئيما يتعسها أو رحيما يسعدها لو كتب الله له عمرا أطول أي سعادتها احتمال من ثلاثة للقرار الذي اتخذته أنت بالنيابة عن ابنتك الصغيرة .... ولكن إذا تركتها وحدها متعلمة مثقفة عاملة تعرف كيف تعيش وحدها وتعتني بنفسها وبك أنت إذا تطلب الأمر .... وقتها فقط ستكون قد أمنت لابنتك حياة أفضل.
التعليقات