إن الثقافة هي روح الأمة وعنوانها وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم وفى نهوضها؛ فلكل أمة ثقافة تستمد منها عناصرها ومفاهيمها وخصائصها التي تنسب إليها، ولكل مجتمع له ثقافته التي يتسم بها، ولكل ثقافة مميزتها وخصائصها، وكل ثقافة تتكون من ثقافات فرعية.
والثقافة الفرعية بوصفها مكون من مكونات الثقافة العامة للأمة تتناسب طردياً مع دعائم الحضارة حال قوتها أو ضعفها، فالثقافة الفرعية إذا قويت يمكن أن تشكل حائط الصد لكل ما هو سلبي خاصة في ظل الانفتاح الجاري على كل الثقافات ومن خلال الوسائل المختلفة وهي الحصن الحصين للثقافة العامة ومنبع تعلمها ووعاء نقلها من جيل لأخر ولا مناص من تقوية التربية وتذليل العقبات وحل الإشكاليات التي تواجهها وتعيق تحقيق أهدافها وذلك من أجل تقوية حائط الصد لمواجهة السلبيات الوافدة وتدعيم الاندماج بين الثقافات المتعددة في المجتمع الواحد.
وتعاني بعض الأقليات من مجموعة من الإشكاليات الثقافية داخل مجتمعاتها الأصلية، وأعني بالإشكالية" هي مشكلات تحولت بحكم ترابطها إلى معضلات كبرى يتسع فيها مجال البحث ويمتد إلى مواضيع أخرى ذات صلة، لا يمكن تصور حلول لها إلا في إطار شامل وكلي، فإذا كانت المشكلة تعني صعوبة الحل فإن الإشكالية تثير الجدل، لأن كل شخص يتصور الحل من زاوية معينة وبطريقة تختلف عن الآخر".
فمن هذه الإشكاليات التي تهدد تلك المجتمعات: إشكالية الاندماج مع المجتمع الأم، ويعود عدم الاندماج مع مجتمعها إلى سبب من اثنين:
الأول: هو نبذ المجتمع الأصلي لهذا الفئة، وعدم سعيه إلى دمج هذه الأقلية داخل نسيج مجتمعه.
والثاني: هو عدم رغبة هذه الأقليات بالاندماج مع المجتمع الأصلي لشعورها بطابعها المميز لها، أو لرغبتها في الحفاظ على خصائصها الثقافية.
وهذه الإشكالية -إشكالية عدم الاندماج- من أخطر الإشكاليات التي يمكن أن تواجهها المجتمعات الكبرى كون أن أغلب هذه الأقليات يسكن المناطق الحدودية، ومن ثم قد يعزز لديها -مع دعم بعض من أعداء هذه المجتمعات- النزعة الانفصالية عن الوطن الأم، وهي أخطر ما يمكن أن تواجه أي دولة من الدول.
وتعد إشكالية اللغة الفرعية لهذه الأقليات أخطر الإشكاليات التي يمكن أن تعزز النزعة الانفصالية لديهم؛ فاختلاف اللغة يجعل أصحابها يشعرون بالاستقلالية والاختلاف في التراث الفكري واللغوي، ومن ثم لا يميلون إلى التحدث باللغة الأساسية للوطن الأم.
أيضا إشكالية الاختلاف العقائدي بين العقيدة الدينية السائدة داخل المجتمع، والعقيدة الخاصة بفئة معينة تسكن إقليما واحدا داخل الدولة، يمثل هذا الأمر عائقا صعبا أمام إحساسهم بكونهم جزء من المجتمع، وتصبح الأمور أكثر خطورة وأكبر تعقيدا إذا كانت إشكالية اختلاف العقائد مرتبطة باختلاف اللغة عن الوطن الأم، من هنا ينبع الخطر الحقيقي على هذا المجتمع، ومؤشراً للفتن وخطر الانفصال الذي يظل يطارده في كل وقت وحين ما لم يتحرك المجتمع بكل مكوناته لمنع هذا الأمر.
ولا يمكن مواجهة مثل هذه الإشكاليات إلا من خلال التربية بمؤسساتها المختلفة التي لابد وأن تعمل على دمج الثقافة الفرعية -ثقافة الأقليات- مع الثقافة العامة مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية.
وبالنظر إلى التربية يجب ألا تقتصر على التعليم المدرسي وإنما تمتد إلى كل موقع من المجتمع وتتم من خلال قوى اجتماعية عديدة مثل وسائل الإعلام والمدارس والجامعات ودور العبادة.
فإذا لم تتمكن المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي من علاج هذا الثقافي داخل مؤسساتها التربوية والثقافية بشكل عملي بعيدا عن الشعارات ستخاطر بمستقبلها في وقت قريب، وبالنظر الى التاريخ سنجد أن هناك العديد من الدول قد تصدعت بعدم قدرتها أو بالأحرى بسبب إهمالها لحل إشكاليات الأقليات الثقافية لمجتمعات الأقلية لديهم.
التعليقات