لقد طال أمد الانحياز ضد المرأة في العديد من جوانب الحياة سواء في الشرق الأوسط أو في المجتمعات الغربية مهما حاولت إظهار عكس ذلك…
فكون المتقدم لأي عمل أو وظيفة امرأة فهذا كاف ليجعل الشخص المسؤول عن الاختيار يعيد التفكير مرات ومرات، إلا في حالات قليلة يكون مطلوب فيها أن يكون الشخص مرأة تحديدا وهذا نوع آخر من الانحياز الذي ترفضه المرأة أيضا مثله مثل رفضها للإقصاء.
فالإعتماد على المواصفات الجسدية للمرأة شئ مهين مثله مثل استضعاف عقل المرأة في مواقف أخرى.
وجائت الكتابة ليصبح مجال تحاول فيه المرأة الغاء التحيزات فيه بعد أن كان هو الآخر مجال مقتصر على الرجال لما أشيع عن أن المرأة غير قادرة على تنحية مشاعرها أثناء الكتابة، وأنها غير قادرة على اقتحام غمار المناقشات لعمق الموضوعات وسطحية عقل المرأة.
وكانت ماري إلياس زيادة الشاعرة والأديبة الفلسطينية اللبنانية والتي اختارت لنفسها فيما بعد اسم مي زيادة ترفض الانحياز للرجال دون النساء في المجتمعات الثقافية، فمي زيادة التي ولدت في ١٨٨٦ في الناصرة والتي أتقنت تسع لغات وهي العربية والفرنسي والانجليزية والألمانية والإيطالية والاسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية قد أبدعت في مجال الصحافة حيث كان لها دور في الدفاع عن حقوق المرأة في المطالبة بالمساواة كما أنها استحقت أن تكون رائدة من رائدات النهضة النسائية حيث طالبت في كتاباتها بإنصاف المرأة وتحريرها من قيود المعقول والمقبول.
وبرز دفاعها عن حقوق المرأة في كتابها (المساواة) الصادر عام ١٩٢٣ وكذلك كتبها عن رائدات التنوير من السيدات مثل عائشة التيمورية ووردة اليازجي.
جدير بالذكر أن مي زيادة كانت قد وجهت الدعوة لعقد صالون أدبي في منزلها حين وقفت في خطاب لأول مرة في بهو الجامعة المصرية لإلقاء كلمة جبران خليل جبران نيابة عنه اشتراكا في تكريم الشاعر خليل مطران،فتلقت يومها تشجيعا كبيرا من الحاضرين، وبعد ذلك ابتدأ يجتمع في بيتها منذ عام ١٩١٣ مجموعة من الأشخاص الذين حضروا صالونها الأدبي كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع.
وكان صالونها الصالون الأدبي الوحيد في مصر الذي تديره امرأة وتستقبل فيه ضيوفا من الجنسين،وكان حديثها يغلب عليه التسامح والود والتهذيب الرفيع،فلم يشعر أحد بالاغتراب أو التحيز في مجلسها.
استمر صالون مي قرابة خمسة وعشرين عاما متواصلة وهي أطول فترة عرفها صالون أدبي في الشرق والغرب.
ورغم حياة مي المليئة بالمؤيدين إلا أن نوع من التحيز غير محدد السبب قد أصاب جنازتها التي لم يمشي فيها سوى ثلاثة فقط وهم: أحمد لطفي السيد، خليل مطران، وأنطوان الجميل.
أما فيما يخص الكتابات المعاصرة والتي بدأت المرأة فيها بشكل عام والكاتبات بشكل يحرصن على الوقوف على الخط ذاته مع الكتاب من الرجال فقد حرصت الكاتبة المصرية الدكتورة ريم بسيوني على إظهار دور المرأة وأهميته في التاريخ من خلال روايتها الأحدث القطائع والتي تدور حول فترة حكم السلطان أحمد ابن طولون ودور النساء في الحفاظ على مدينة القطائع وتاريخها من خلال ثلاثة نساء كانوا مثالا للقوة والحنكة والعقل المفكر الحكيم، وبذلك استطاعت الكاتبة أن تنفي عن المرأة كونها غير قادرة على صناعة التاريخ أو اسناد كل الأدوار الهامة الى الرجال من دون النساء.
ولم تكن القصة وحدها هي الدليل على كفاءة المرأة وإنما أيضا الأسلوب الأدبي للكاتبة الدكتورة ريم بسيوني هو أيضا كان برهانا لما لدى المرأة من قدرة عظيمة لا يمكن أبدا الاستهانة بها أو التمييز بينها وبين أسلوب الجنس الأخر.
إن التاريخ الأدبي عامر بأسماء النساء بعضهن تعرضن للتحيز وبعضهن استطعن التغلب عليه، بعضهن طرحن الظلم من خلال بطلاتهن وبعضهن أظهرن الانتصار للمناضلات القادرات على التحدى والنجاح والسطوع رغم أنف التحيز السلبي أو الإيجابي فالمرأة كيان دون مزيد من الوصف مثله مثل الرجال.
ولهذا السبب قررت أنا أن أقوم بدورين دور نشر الثقافة من خلال جروب رشحلي على الفيسبوك والذي استطاعت امرأة أن تديره ليكون صالونا أدبيا معاصرا مثل هذا الذي صنعته المرأة التي أحمل اسمها مي زيادة وكذلك قررت أن أخطو أولى خطواتي ككاتبة من خلال روايتي الأولى لأجل تلك الليالي لأثبت من خلالهما أن الأم والزوجة يمكنها أن تكون إدارية جيدة (مثلما أحاول ومثلما أشاد الكثير) ويمكنها أيضا أن تكون مبدعة من خلال تقديم أدب غير ذات لقب حيث لا أحب ولا أقبل تسمية بعض الأقلام بالأقلام النسائية فنحن الكاتبات العربيات والأجنبيات نكتب عن واقع، وعن خيال، عن مشكلات اجتماعية وجرائم، عن مشاعر وعن مداخل نفسية وفلسفية مثلنا مثل الكتاب المبدعين من الرجال.
وبالتالي سوف أستغل الحدث اليوم لأقدم تحية لبعض المبدعات وأشكرهم لأن بهم ومعهم لن يكون هناك تحيز ضد النساء في عالم الكتابة بشكل خاص وفي الحياة بشكل عام وهن دون ترتيب: اليف شفق، ايزابيل الليندي، الراحلة الحاضرة رضوى عاشور، لنا عبد الرحمن، رضوى الأسود، بثينة العيسى، ريم بسيوني، رشا العادلي، نهى داوود، ضحى صلاح، شيرين سامي،خميلة الجندي وغيرهن العديد الذين لن يسمع الوقت لذكر أسمائهن.
فتحية لكل امرأة قررت أن تكون دون الالتفات لجنسها أو المكان الذي وضعها فيه المجتمع، للمناضلات القادرات دون توقف.
التعليقات