في محاولة مني لشرح أصول الترندات عدت بذاكرتي الى أيام الطفولة عندما كان يبدأ اليوم بإتصال جدتي لأمي وينتهي بالأمر ذاته.
كانت الترندات حينها تخص العائلة، وأحيانا جيران أو أصدقاء أحد أفراد العائلة، ونادرا جدا عن أحد الفنانين والفنانات الذين قابلهم صدفة شخص ما من السابق ذكرهم، ليبدأ الترند عن ماذا كان يرتدي الفنان أو كيف رحب بجمهوره، وما إذا كان متكبرا أو متواضعا ومثل هذه من الأمور التي تضع الفنان في مكانة خاصة في عائلتنا فتقربه أو تبعده عن قلوبنا.
كل يوم بترند جديد، لا يتعدى الحديث عنه يوم أو يومين أو في أقصى الظروف أسبوع بأكمله ليتلاشى الترند بعدها وكأنه لم يكن.
حتى الأكلات في أسرتنا كانت تحتل الترند،حينما يكتشف أحد أفراد العائلة وصفة جديدة فيخبر جدتي عنها والتي كانت بدورها تقوم بعمل (مواقع التواصل الإجتماعي) التي لم تكن موجودة حين ذاك وتنشرها بين باقي منازل العائلة بإستخدام الإختراع المنقرض (الهاتف الأرضى)، فيأتي اليوم التالي وقد جربها شخص ثان وثالث، ثم تذهب الوصفة والحديث عنها مثلها مثل كل (الترندات) مع الريح.
في أحد المرات كان الترند عن شئ يستحق الشراء، إنها مروحة طولية تقف على قدم واحدة تلتف قاعدتها كثعبان لكن رأسه بدلا من أن تبخ السم كانت تبخ الهواء البارد المنعش.
اتصلت جدتي بأمي تخبرها عن المروحة العجيبة التي لا تحتل قاعدة كبيرة وطويلة بحيث لا تحتاج الى منضدة لتضع عليها المروحة، بل والأروع أن لونها أسود، تخيل معي مدى الإنبهار في زمن كانت المراوح كلها زرقاء،في دقائق معدودة تم عمل أكثر من سبعة اتصالات بين أفراد العائلة وصاحب المحل لحجز المراوح المتاحة قبل نفاذ الكمية، والإتفاق على التقسيط المريح الذي سيتيح لكل بيوتنا الحصول على المروحة العجيبة، وأصبحت المروحة والحديث عن المروحة هو الترند الذي خبتت زهوته مع أول ضربة صداع أصابت أمي بسبب هواء المروحة العجيبة وأول سعلة سعلها أبي لأنه يفضل الهواء الطبيعي.
وبدأ بعد يومين ترند جديد في عائلتي الحبيبة أخذ ما أخذ من اهتمامنا وتبدل بغيره مرة أخري في سلسلة كانت الأحب الى قلبي من سلاسل الترندات التي كنت أتابعها بحب وإهتمام.
عندما ماتت جدتي انقطع الإنترنت عن حياتنا العائلية وأصبحت مجرد مانشتات منشورة في جريدة قومية لا يهتم بشرائها ولا بقرائتها أحد.
التعليقات