في هذا العصر الذي تكاد تتلاشى فيه الحدود، لفتح الأبواب لثقافات تفرضها لحظة تفوق حضاري مأزوم، بدون مراجعة لمآلها في بلد المنشأ وما نجم عنها من مأسي، لا تستهدف نشر قيم حضارية وإنما نريد تمييع قيم أصيلة ومنع أية عوائق قد تقف في حالة البيع السائلة التي تنظر إلى شعوب العالم كلها باعتبارها زبائن لسوق أو مول تجاري كبير، في ظل هذه الظروف يجيب على النخب الوطنية ان تتقدم الصفوف لصد الضربات الموجهة إلى صميم قيمنا وأسس الخصوصية الحضارية التي تشكل معالم الهوية.
قبل الدخول في التفاصيل، ننبه إلى أن ما أكتبه هنا لا يدخل في مجال النقد الفني لأني لست من أهله، ولكني أكتبه باعتباري مواطن مصر عربي نشأ على قيم عريقة، شكلت ثقافة ووجدان الأمة، وساهت في صياغة حضورها وقوتها الناعمة.
وهنا أتوقف عند عملين سينمائيين، وعلى الرغم من اختلاف موضوعها إلا انهما يجمعهما رابطان مشتركان، الأول التمويل الخارجي، والثاني خلخلة القيم المؤسسة لهويتنا القومية.
الأول فيلم ريش الذي ساهمت في إنتاجه أكثر من جهة اجنبيه، ويتناول قصة أب فقير يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيُحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات، وضمنها يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة وتفشل محاولات الساحر لإعادته مرة أخرى ، ويبقى الأب في هيئة الدجاجة. وتلجأ الزوجة لكل السبل لاستعادة الأب لكن دون جدوى، ثم تبدأ في الاعتماد على نفسها لتدبير متطلبات الأسرة.وبعد أن يستقر وضع الأسرة نسبيا يظهر الأب من جديد لكن فاقدا القدرة على الكلام او الحركة مما يجعله عبئا جديدا على الأسرة ينبغي التخلص منه!!!
الفيلم المصري المتوج في مهرجاني كان والجونة أثار جدلا كبيرا بعد أن غادر ثلاثة ممثلين قاعة العرض بالجونة متهمين الفيلم بالإساءة لمصر. الحقيقة ان المأخذ الحقيقي على الفيلم ليس انه يسئ لسمعة مصر لأننا شاهدنا من قبل أفلاما قدمت واقعا بائسا، ولكنها جاءت داخل قصة لا تخرج عن القيم المؤسسة للمجتمع، وإنما اكثر ما يؤخذ على الفيلم هو ضرب معنى الرجولة حينما يتحول الرجل إلى دجاجة، وتقوم الزوجة بمهامه، ثم تعتبر إنها بذلك حققت ذاتها، ولا حاجة لوجود الرجل، لتكمل سلسلة المحاولات التي تستهدف كيان الأسرة، والنتيجة ان مصر الأولى عالميا في معدل الطلاق!
أما الفيلم الثاني (أصحاب ولا أعز) فقد كان أكثر وضوحا في تحقيق هذا الهدف. فالأخطاء التي وقع فيها لا تقتصر فقط على المساس بالجوانب الأخلاقية لما تضمنه الحوار من "ألفاظ نابية، وإباحية"،ومقاطع تتعلق بالخيانة و"المثلية" الجنسية، ولكن الامر يتجاوز ذلك، بخاصة ان السينما المصرية سبق ان تصدت لمثل تلك القضايا ولكنها حملت في طياتها معاني الرفض للظلم والانحلال الأخلاقي .
أما في (أصحاب .. ولا أعز) فإن الخطورة تمكن في منحنى الصعود والسقوط في الخط الدرامي المرسوم بعناية، حيث صعد بحالة الرفض والغضب ثم سقط في الاستسلام والاستمرار بل والقبول بالخطيئة، على حد وصف الكاتب الصحفي سامح لاشين، حيث يظهر الغضب من الخيانة والمثلية ثم بعد ذلك نجد حالة قبول واستسلام واستمرار.. فالصديق الذي اكتشف خيانة زوجته مع صديقه عرف ذلك وتقبله. وبعد علمه بخيانة زوجته استمرت في مراسلة صديقه وهو في حالة قبول! والزوجة التي بكت لخيانة زوجها تحولت من الرفض للسعادة والعودة مع زوجها بكل اريحية!!
فالفيلم لا يستهدف كشف ما في المجتمع من علاقات سيئة كالخيانة وغيرها، وإنما يدعوا لقبولها!!
ولأن نتفيلكس التي عرضت الفيلم منصة عالمية تقدم الأفلام حسب الطلب فإن الأمر يتطلب مواجهة من نوع آخر. فنحن أمام حالة جديدة تتعلق ببنية الفضاء العالمي وتداخله مع الفضاء الوطني، تحتاج الى معالجة خارج السياق التقليدي، والبطولة في هذه المعالجة ليست تحرير محاضر في اقسام الشرطة وإنما تكمن في تحرير الوعي وعي الفنان ووعي الجمهور، بحيث يتماهى الفن مع قيم المجتمع. (لا عز) مع سيف المعز وذهبه، مع ملاحظة أن المعز لم يعد الحاكم الذي يملك الذهب والسيف والحديد والنار، وإنما أصبح شركات دولية تمنح جوائز عالمية وتدفع بالدولار!
التعليقات