للغربة عن الوطن آمال وطموحات لاتنتهي عند حدوده الجغرافية، ولاتعترف تلك الآمال بالمسافات الطويلة التي يقطعها المغترب بعيدا عن وطنه متوهما في قرارة نفسه أن ما يجنيه من مكاسب مادية وربما إجتماعية كفيلة بأن تنسيه الآمها بل من الممكن أن تكون عوضا وبديلا مناسبا عن المعاناة التي ينكرها في قرارة نفسه.
يأخذنا الكاتب في هذه الرواية المؤلمة الى أبعاد قد تبدو مكررة لكل من سافر وأغترب عن بلاده خاصة إذا كان نسيج ذلك المسافر من طبقة سحيقة وتنتمي لآدنى طبقات الأرض وتبعد مسافات شاسعة عن البعد الإجتماعي اللائق في بلاد النفط والثروات المعدنية التي لاتنضب.
تدور أحداث الرواية عن طفل يولد لأب خليجي من أصحاب الهمم العالية منتميا الى طبقة أرستقراطية عليا وأم فلبينية من تلك الطبقات الدنيا التي غدر بها الزمان بلا هوادة محدثا بها تشوهات تزيد من تلك الفروق الأجتماعية بعدا لا نهاية له مستعرضا أثر الفوارق الأجتماعية والعنصرية المتعمدة في تكوين هشاشة واضحة لنسيج المجتمعات التي تعيش في مثل هذه الأجواء . المدهش في هذه الرواية أعتقادك وحدسك ككقارئ بالنتيجة المأساويه لمثل هذا النوع من الزيجات والتي كتب عليها الفشل والخذلان ولكن أستطاع الكاتب ببراعة فائقة أن يأخذنا مع احداث الرواية الى أوتار أكثر صلابة وأكثر أختلافا عن تلك النهايات الدامية المتوقعة بشكل عام.
الرواية تحمل في طياتها الكثير والكثير من الإسقاطات التي يخجل البعض من سردها بطريقة واقعية ومنهجية واضحية تكشف في طياتها القناع عن ممارسات آثارها باقية مزعزعة الضمائر الحية نحو الإعتراف بها.
الواقعية المعاصرة بعدا جديدا آخر لأحداث الرواية ، وكأن الكاتب يدور بنا نحو موضوعات قررنا عدم الخوض فيها لإنكارنا بطبيعتها الماثلة أمامنا، وفاضحا جوانب عديدة قررنا أن نغمض عيوننا عنها بشكل متعمد مع سبق الإصرار والترصد بشكل يسئ الينا قبل أن يسئ بالطرف الآخر المغلوب على أمره
ساق البامبو نبتة صغيرة من شجرة لا أنتماء لها وقد قررنا مسبقا باستقطاع جزءأ من ساقها عمدا وبلارحمة ، لنغرسها في تربة جديدة غير مؤهلة لاستقبالها متوهمين أن يكون لها من الحظ الوافر أن تنبت جذورا صلبة قوية قادرة على تدعيم وثائقها في بيئة لم تشهد مثل هذه الوقائع نظيرا او شبيها . الأدهى من ذلك تقديرنا المسبق أن تقوم هذه النبتة الصغيرة التي لاهوية لها أن تخلق لها ماضي بتفاصيل دقيقة تستعين به على دعم تواجدها الغير مبرر بل يطلب منها ماهو أكثر من ذلك بأن تحمل تلك النبتة الصغيرة ذاكرة بها كل تفاصيل الحياة.
قد تخبرنا أسماؤنا التي لم يكن لنا أدنى علاقة بمعانيها أو تلك التى لم نسئل عن رأينا في أتخاذها أداة للتعريف بنا وسط المجتمع ، ببعض الدلائل التي تشير الى هويتنا أو تعبر عن أنتمائنا لبية معينة ولكن يتضح مع اختلاف الزمان والمكان والطبيعة البشرية أن هذه الأسماء ماهي الإ أسماء سميتموها أنت وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
الملفت للانتباه دقة المعلومات الخاصة بدولة الكويت أبتداءا من أسماء بعض الأماكن والأحياء وأنتهاءا بالحياة المترفة التي تحياها فئة ليست بالقليلة من الشعب الكويتي ، علاوة على نفس الوصف الدقيق لدولة الفلبين وبعض العادات والتقاليد المتوارثة هناك في تلك البلاد النائية والبعيدة كل البعد عن المجتمع الخليجي مما يوحي بإالمام الكاتب بادق التفاصيل التي تشعر القارئ أنه زائر وسائح لتلك الدولتين.
هذه أول قراءة للكاتب سعود السنعوسي والذي أستطاع بمهارة فائقة أن يجذبني للقراءة المتواصلة لصفحات الرواية التي قاربت الأربعمائة صفحة في مدة لم تتجاوز ست ساعات على فترات متقطعة خلال يوم واحد مما يؤكد المقولة الشهيرة لجين أوستين بأنه كلما كان الكتاب مكتوب بشكل جيد شعرت بأنه بالغ القصر.
الرواية حصلت على البوكر العربية وكانت على عكس توقعاتي المتكررة التي كانت تأبى القراءة للروايات الحاصلة على الجوائز المختلفة لقناعتي الشخصية بضوضاء مثارة وجذب أعلامي يفوق المحتوى المكتوب ولكن جاءت ساق البـــــــامبــــو لتعكس كل تلك التوقعات.
التعليقات