يوما بعد آخر يكتشف المختصون تطبيقات للتكنولوجيا الرقمية تنتهك حقوق الإنسان، وإذا كانت دول كثيرة قد تنبهت لجرائم بعض شركات التكنولوجيا العملاقة التى تتعلق بانتهاك حق الخصوصية عبر التجسس على الهواتف أو من خلال بيع البيانات الشخصية لمستخدمى شبكات التواصل الاجتماعي، مما جعل شركة فيسبوك تتعرض لمساءلة فى الكونجرس الامريكى وبعض الأجهزة الرقابية فى عدة دول، فضلا عن قرار وزارة التجارة الأمريكية إدراج شركة مجموعة إن إس أو منتجة برنامج التجسس على الهواتف ضمن (القائمة السوداء)، فإن الكثيرين يعانون اليوم استخدام تكنولوجيا المعلومات فى انتهاك آخر لحقوق الإنسان وهو حق المساواة.
يحدث هذا الانتهاك عن طريق استخدام أنظمة التعرف على ملامح الوجه بأسلوب يعزز العنصرية، مما أدى الى استياء عالمى من جانب المثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان وبعض المنظمات الحقوقية العالمية وفى مقدمتها منظمة العفو الدولية التى أطلقت حملة عالمية فى مطلع العام الحالى لحظر استخدام أنظمة التعرف على ملامح الوجه، باعتبارها شكلاً من أشكال المراقبة الجماعية من شأنه أن يفضى إلى استفحال الممارسات العنصرية. بدأت الحملة تحت شعار (احظروا تكنولوجيا التعرّف على الوجه) بمدينة نيويورك، وكشفت الحملة عن أن هذه التقنية تعد شكلاً من أشكال المراقبة الجماعية التى تنتهك حق الإنسان فى الخصوصية، وتهدد حقه فى حرية التعبير السلمية.
وحذرت من قيام أجهزة تنفيذ القانون باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه كسلاح ضد الفئات المهمشة فى مختلف بلدان العالم؛ فمن نيودلهى إلى نيويورك، يمكن استغلال هذه التكنولوجيا التى تقتحم خصوصية المرء فتنقلب هويته نقمة عليه، وتُهدَر حقوقه الإنسانية.
غير أن الأثر التمييزى لتكنولوجيا التعرف على الوجه يتجاوز إلى حد بعيد توظيفها من قبل سلطات تنفيذ القانون، إلى استخدامها من جانب فئات مدنية، ومن أمثلة ذلك المخاوف من قيام ملاك العقارات فى نيويورك من استخدام هذه التكنولوجيا فى التجسس على مجتمعات السود وذوى البشرة السمراء.
ففى عام 2018، تحدّى مجتمع أغلبه من السود فى مجمّع أتلانتك بلازا تاورز الذى يقع بضاحية بروكلين فى مدينة نيويورك، محاولة الشركة المالكة للمجمّع، تثبيت كاميرات التعرّف على الوجه فى المجمع السكني. وتكلّل هذا التحدى بالنجاح.
وبعد أن لجأ المستأجرون إلى القضاء لوضع حد لهذا الانتهاك لخصوصيتهم، أعلنت مجموعة إدارة نيلسون فى نوفمبر 2019 فى اجتماع جمعية أنها لن تقوم بتركيب أنظمة التعرف على الوجه فى المجمع السكني. وقد تصاعد الرفض لهذه التقنية العنصرية على المستوى العالمي، ففى إطار حملة «#احظروا_تكنولوجيا_التعرف_على_الوجه» التى أطلقتها منظمة العفو الدولية، أنشئ موقع على شبكة الإنترنت يتيح لسكان نيويورك إبداء تعليقاتهم على استخدام شرطة نيويورك لتكنولوجيا التعرف على الوجه استناداً لقانون الإشراف العام على تقنيات المراقبة، وسوف يتسنى لهم فى مرحلة لاحقة من الحملة تقديم طلبات واستفسارات بموجب قانون حرية تداول المعلومات، لمعرفة أين تستخدم تقنية التعرف على الوجه فى أحيائهم.
وسيتم توسيع الموقع المذكور، عندما يتسنى لشبكة فك التشفير بمنظمة العفو الدولية ــ وهى شبكة عالمية من النشطاء الإلكترونيين ــ المساعدة فى تحديد المواقع الجغرافية لأجهزة المراقبة القادرة على استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه فى نيويورك، الأمر الذى يمكِّن السكان من تحديد الأماكن التى تُستخدم فيها هذه التكنولوجيا على وجه الدقة.
وتطالب منظمة العفو الدولية بحظر تام على استخدام وتطوير وإنتاج وبيع تكنولوجيا التعرف على الوجه لغرض المراقبة الجماعية، كما تدعو لفرض حظر على تصدير أنظمة هذه التكنولوجيا. وقد استجابت بعض الولايات الأمريكية لهذا النداء حيث عمدت بالفعل عدة مدن كبرى فى الولايات المتحدة إلى حظر التعرف على الوجه. وفى نيويورك، وحدت منظمة العفو الدولية جهودها مع عدة منظمات فى إطار الحملة من أجل وضع التشريعات التى تحظر على أجهزة تنفيذ القانون استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه فى عمليات المراقبة الجماعية بالمدينة.
أما الاستخدام الأكثر خطورة وربما كارثية لهذه التقنية، فيكمن فى مجال آخر، حيث لا يقتصر الأمر على انتهاك حق أو أكثر من حقوق الانسان، وإنما يصل إلى تدمير الإنسان نفسه وهو ما يتطلب مقالا آخر!
التعليقات