كان عندي ألبوم صور، أجد معه السعادة والحنين إلى الذكريات التى يحملها بين دفتيه، على صفحاته صور من حياتي، ذكرياتي، من أحببت، ومن رحلوا، ومن لهونا ومرحنا معا .. وضاع ألبوم صوري فى زحمة حياتي وقسوتها، وتجبرني التكنولوجيا على قبول البديل، ألبوم محمول بين يدي ليل نهار، جزء من إمكانيات الهاتف، لكنه مؤكد لا يحمل نفس الطباع أو الروح أو العبق.
هل تمتلك ألبوم صور؟ سؤال قد يراه البعض مضحك بعض الشيء ، الموبايل اليوم يحتفظ بآلاف الصور ، فما الحاجة لم كان يطلق عليه "ألبوم صور" !! الحقيقة أن تلك الحالة من التطور التكنولوجي ،بالرغم من روعتها، إلا أنها أفقدت الأشياء قيمتها.
فلماذا كان للصورة قيمة فيما مضى عن الآن؟
قيمة الأشياء باستمرار ترتبط بكيفية الحصول عليها، فيشتد لهيب الحب إذا زادت فى طريقه العثرات، وتعلم قيمة المال إن بذلت الجهد فى الحصول عليه.
وقد كنا فيما سبق كى نحصل على صورة ما، نبذل الكثير من الجهد والوقت والمال .. وليس الكل يستطيع توفير مصور مختص للقيام بهذه المهمة، حتى الصحف الكبرى كانت توفر المصور الصحفي وأدواته ليعمل مع أكبر عدد ممكن من المحررين.
فلو أردت تسجيل لحظات مهمة .. عيد ميلاد . حفل عائلي .. رحلة مع أصدقاء الدراسة أو العمل .. فى حديقة الحيوان والأهرامات والقلعة .. إلخ .. تبدأ الجهود الشخصية بالحصول على كاميرا ، فكثير لا يمتلكها ، فيستعيرها أو يستأجرها تاركا ضمانا لها، والكاميرات أنواع وأفضلها حينها " ياشكا ،ناشيونال، كانون، نوكيا"، بعدها تأتى مرحلة الذهاب لشراء ال " فيلم " والمفاضلة بين فيلم ٢٤ أو ٣٦ صورة وهذا بالطبع يتوقف على مدى احتياجك، ثم تفاضل بين أنواع الأفلام وأسعارها.
وأصحاب الخبرة القليلة فى حاجة لأن يحملوا الكاميرا معهم إلى فنى استديو التصوير لتركيب الفيلم فى الكاميرا لأنها عملية ؛ رغم سهولتها، كانت تبدو معقدة ، فلابد من تركيب طرف الفيلم فوق الترس المخصص له بعناية فائقة كى لا يدور ترس الكاميرا بدون أن يسحب الفيلم من علبته وبالتالى تأخذ كافة اللقطات بعد تجهيزات واستعدادات والمناسبات نفسها التى لن تتكرر وبعدها يتم استخراج الفيلم وتحميضه فلا تجد صورة واحدة.
بعد التأكد من تركيب الفيلم والبدء فى مرحلة التصوير أنت لا تمتلك رفاهية رؤية جودة اللقطة لتكرارها إن كانت سيئة ، ولا تمتلك رفاهية حذف الصورة والتقاط غيرها لأن العدد لديك محدود ومكلف ، لذا فأنت تبذل الجهد فى تجهيز أبطال صورتك والتركيز الشديد حتى تخرج الصورة على أفضل وجه، ثم تتخذ ما يلزم لتجهيز الصورة التالية .. وهكذا.
وقد يستمر الفيلم بداخل الكاميرا مدة طويلة حتى يتم الانتهاء منه نظرا لضرورة تغيير المناظر ، أو انتظار مشارك جديد أو حدث جديد.
كل هذا وأنت لا تعلم مصير اللقطات التى قمت بتصويرها من حيث جودتها (الاضاءة، الألوان ، الظلال .. إلخ) وايضا لا تعلم مصيرها من حيث نجحت الكاميرا فى أخذ اللقطة أم تم "حرق" الصورة ..!! فأنت لا تعلم أى شيء وفى انتظار المرحلة التالية وهى تحميض الفيلم.
وتبدأ هذه المرحلة باستخراج الفيلم من الكاميرا وهى عملية تماثل عملية تركيبه من حيث الخطورة، فيجب أن يعود ترس الكاميرا إلى نقطة الزيرو والا يتعرض الفيلم للضوء ويفسد، لذا يكون الأفضل الذهاب بالكاميرا إلى فني الاستديو لاستخراج الفيلم ، ويتسلمه ليبدأ تحميضه .. ترحل ومعك إيصال لاستلام الصور بعد أسبوع تقريبا.
تعود بعدها لتجد مظروف يحتوى على مجموعة صور .. تدفع المبلغ المقرر وتحمل مظروف الصور وترحل.. ونادرا ما تحصل على العدد الكامل لصور، فهناك عدد غير قليل يفقد لأسباب فنية، وتحمل الصور وتعود لفرزها من حيث الجودة ومن حيث الأشخاص والابتسامات والوقفات وغيرها ، وهنا تفقد عدد أخر من الصور.
فى النهاية وبعد هذه الرحلة تمتلك مجموعة صور سجلت لحظات مهمة فى حياتك وبذلت الكثير من الجهد للحصول عليها ، لذا فهى عزيزة عليك ويجب أن تحتفظ بها بشكل لائق ، فتشتري ألبوم صور ترتب صورك بداخلها بالشكل المناسب ، لتعود إليه كلما أخذك الحنين إلى الماضي لتستخرجه من الأدراج وتجلس لتتأمل.
اليوم ألاف الصور تلتقطها بكاميرا الموبايل وتختار أفضلها فى لحظتها ، وهى بين يديك فى كل لحظة بدرجة تفقدك الشغف . وهى من الوفرة إلى حد الزهد فيها .. وهى كما أتت فى يسر قد تذهب فى لحظة مع ضغط أيقونة آخذة معها ذكرياتها.
التعليقات