شهدت الأيام القليلة الماضية هزيمة حزب العدالة والتنمية التابع لجماعة الإخوان المسلمين بالمغرب بعد أن قضى قرابة 10 أعوام في رئاسة الحكومة، حيث تصدّر حزب التجمع الوطني للأحرار نتائج الانتخابات بحصوله على 97 مقعداً من أصل 395 بعد فرز 96% من الأصوات، بحسب إعلان وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت خلال مؤتمر صحفي مؤخرا.
وبالحديث عن حزب العدالة والتنمية الموالي للإخوان الإرهابية، والذي إستطاع الوصول إلى رئاسة الحكومة المغربية عام 2011، فقد سجل تراجعا واضح في حصته من عدد المقاعد. إذ إنخفضت من 125 مقعداً في البرلمان المنقضي ولايته إلى 12 مقعداً فقط في البرلمان المقبل. ما يبدد أحلام مشروع الإسلام السياسي الذي كان يؤكد قادته على أن صعود أي فرع من فروع التنظيم في أية دولة من دول المنطقة، سيدعم نمو وصلابة باقي فروع التنظيم داخل الدول، مما يؤكد على أن الهزيمة الأخيرة للإخوان في المغرب، ستكون بمثابة ضربة قاضية لباقي أجنحة التنظيم العالمي بالمنطقة.
خصوصا وان هذه الهزيمة المدوية أتت بعد إنحسار جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد نجاح ثورة 30يونيو المجيدة والعمل العظيم الذي قام به جهاز الأمن الوطني في مصر بالقبض على رأس التنيظم وخليفة المرشد الحالي محمود عزت الذي إستطاع الهروب والتخفي لمدة 7 سنوات. كذلك خلع نظام البشير الإخواني من السودان وتقديمه للمحاكمة ،تبعتها تونس التي شهدت تحركاً مشرفاً من قبل الرئيس قيس سعيد والبرلمان التونسي متمثلا في نشاط النائبة عبير موسي نحو إقتلاع عناصر الإخوان المسلمين من مفاصل الدوله التونسية وحل مجلس النواب وإقالة راشد الغنوشي زعيم التنظيم من منصبه.
إن الهزيمة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية، كانت بمثابة إنهيار لأخر قلاع الإخوان المسلمين داخل الدول العربية، ومن المتوقع أن يصل تأثير هذه الهزيمة الساحقة إلى باقي الدول التي تتخذ من الإسلام السياسي أداة لفرض سياستها وتحقيق أطماعها، وستعيد التفكير في سياساتها والأحكام والرؤى حول كُل تجارب الإسلام السياسي في المنطقة، من جهة تداخلاته التنظيمية والعضوية، وعلاقته البينية ومصائره المشتركة.بل سيصل التأثير حتى المواطن العربي الذي سيرى بنفسه الفجوة العميقة بين الشعارات الحنجورية التي كان يهتف بها الإخوان وبين حقيقة نشاطاتهم وتحركاتهم الخبيثة على الأرض،مما سيهدد بقاء التنظيم لسنوات أخرى قادمة.
ولعل التجربة المغاربية في إسقاط جماعة الإخوان وسط سخط وإدانة شعبية أكبر صفعة وجهت للتنظيم الإرهابي الذي طالما كان يتباهى بالتجربة المغاربية حينما يتعرض لمواجهة فكرية أو سياسية ،ويتخذ من الحزب الإخواني في المغرب مثالا للتفاخر،حيث أنه لم يأتِ نتيجة انقلاب عسكري كما هو الحال في السودان، ولم يفتك بمؤسسات الدولة كما حدث في مصر، ولا تسبب بانهيار وشلل الحياة السياسية والاجتماعية كما حديث في تونس، لذلك كان تنظيم الاخوان العالمي يعرضونه كنموذج مثالي لنجاح تجربتهم.
تاريخ الإخوان يفضح نفسه
شهدت سوريا ومصر وتونس وليبيا عقودا من تناحر عناصر الإخوان على السلطة. ففي سوريا انتقلت الجماعة الإرهابية من حركات دعوية سياسية في خمسينيات القرن الماضي إلى قوة للعنف الطائفي المسلح مع نهاية السبعينات،بعد فشلها في عرض نفسها على أنها قوة ديمقراطية سلمية، وثبوت أن تنظيم الإخوان المسلمين هو راعي الجماعات والفصائل المسلحة الراديكالية.
ففي الأردن، كانت الحركات الإخوانية متداخلة مع المؤسسات المهنية والحرفية والقطاعية، ولكنها لم تستطع تحقيق أي نتائج بارزة في أية انتخابات أردنية سابقة. وفي فلسطين تمكنت حركة حماس الذراع المسلح لجماعة الإخوان المسلمين من شق صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، وتقسيم الأراضي الفلسطينية لمنطقتين متنازعتين. أما في العراق ولبنان، فقد كانت تحلم بخفوت أضواء الحركات اليسارية والقومية، لتُشعل الدفة الأخرى من الصراع الطائفي.
تأثير هزيمة الإخوان في المغرب
ففي سوريا لن يستطيع الإخوان المسلمين إدعاء أنهم يشكلون القاعدة العريضة ولهم نفوذ في أوقات السلم، فتجربة سقوطهم في المغرب تقول ان المواطن العربي أصبح يحكم على أفعال وسياسات أحزاب الإسلام السياسي وليس شعاراته الجوفاء. كذلك في فلسطين لا يُمكن لحماس بعد اليوم أن تستند إلى بعض الدول العربية التي كان الإخوان فيها أصحاب نفوذ.
أما عن العراق ولبنان والأردن، فلم تعد جماعة الإخوان قادره على الادعاء بأنهم يُمثلون الدفة الأخرى، المناوئة للقوى المركزية و التي تحمل هموم وتطلعات المواطن العادي، فالتجربة المغاربية في إسقاط الإخوان أثبتت للرأي العام أن المواطن العربي، كغيره في كل المجتمعات الأخرى، لديه مجموعة من الآمال والتطلعات بحياة إنسانية كريمة ، والإسلاميون أقل القوى السياسية قدرة على تحقيق ذلك.فطالما لعبت الجماعة على الشعارات الدعوية الرنانة لكسب تأييد المجتمع المغاربي لكن سقوطها الأخير كشف كذب و زيف هذه الشعارات.وان هذه الحركات منذ عام2011 غير قادرة على تحقيق ما أطلقته من وعود وشعارات للشعوب التي حكمتها.خصوصا بعد فشلهم في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية داخل بلدانهم أو إحداث أي إصلاحات ملموسة للناس، على الرغم من بقاء جماعة الإخوان المسلمين في المغرب على رأس السلطة مدة10سنوات، حتى سقطوا وسقطت معهم الشعارات الأيدلوجية الرنانة.
ولعل الطريقة التي سارت بها الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب تميزت بالتناوب والإنتقال السلمي للسلطة دون تدخل في الإختيار السيادي للناخبين الذين اختاروا حزب التجمع الوطني للأحرار الليبرالي ووجهوا ضربة موجعة للإسلاميين من حزب العدالة والتنمية.فقد رأى الشعب المغربي أن الديمقراطية هي الحل وأن الأشخاص الذين صوتوا لجماعات الإسلام السياسي من قبل قادرون أيضًا على توجيه ضربة موجعة لهم إذا فشلوا في الوفاء بوعودهم، ما دفع الناخبين المغاربة للجؤ لصناديق الإقتراع للتخلص من حزب العدالة والتنمية.
سيناريوهات مابعد سقوط إخوان المغرب
لطالما ارتفعت حدة الخطاب الأيديولوجي للحزب في كل مرة يقع فيها تحت ضغط سياسي خلال السنوات الماضية، فالإخوان قد مارسوا أدوار مختلفة مع القوى السياسية بالمغرب بدءا من الصراع مع حزب الأصالة والمعاصرة وصولا لما يمكن أن نطلق عليه نوعا من التحالف أو الارتباط الضمني.
وهناك 4 سقطات بارزة تسببت في خسارة حزب الإخوان في الانتخابات الأخيرة وتراجع شعبيته؛ الأولى السقوط في فخ التناقضات العنيفة، ما بين الخطاب الشعبوي الذي يتخذ من الدين عباءة له وما بين ممارساته وتحركاته الفعلية داخل السلطة وعلى الأرض ، حيث لم يستطع أن يقدم تبريرات مقنعة لممارسات خبيثة قام بها على عكس الأيدولوجية والشعارات التي رفعها.
السقطة الثانية لإخوان المغرب تمثلت فيما أثبتته التحقيقات بتورط عناصر الجماعة في قضايا فساد إستطاعت تدمير صورتهم التي رسموها في أذهان الشعب المغاربي.
أما السقطة الثالثة تمثلت في الإنشقاقات التي ضربت الحزب، وتسببت في شروخ وصراعات داخلية بين جبهتي سعد الدين العثماني وعبدالإله بن كيران، فيما كانت السقطة الرابعة والأخيرة الأعمق حيث لم يقدم العدالة والتنمية أي إصلاحات حقيقية أو مضامين سياسية للإشكاليات التي ضربت المغرب سواء قبل تداعيات جائحة كورونا أو بعدها.
مجمل القول
إن المفاجأة لم تكن في عدم فوز حزب العدالة والتنمية التابع للاخوان المسلمين، وهو أمر كان منتظرا ومتوقعا بأنه لن يحصل على المقاعد التي تمكنه من قيادة الحكومة،بل أن المفاجئة كانت حجم التراجع القياسي للحزب ويعود ذلك أيضا إلى اعتبارات إقليمية لا يمكن تجاهلها مرتبطة بشكل كبير بتوالي الانتكاسات التي تعيشها التيارات الإسلامية سواء في مصر أو تونس أو الجزائر أو ليبيا والتي تبين معها أن هذه الأحزاب والتيارات تعيش على إيقاع مجموعة من المشاكل.والتي تتعارض مع حالة الثقة بالنفس الكاذبة التي يحاول تنظيم الاخوان ان يصدرها لأتباعه ومواليه حرصا منه على البقاء والحفاظ على نفوذه أو انه قد يكون نوع من الكبرياء وان تنظيم الإخوان المسلمين على مستوى العالم لم يستوعب بعد أن الحياة السياسية دائما فيها مد وجزر وتداول على السلطة.
ومن المتوقع أن تتواصل الارتدادات وتتراجع شعبية العدالة والتنمية في المستقبل، بحيث سيكون من الصعب على الحزب أن يحصل على حضور كبير في الولاية التشريعية الحادية عشر في تاريخ المغرب لأنه لن يستطيع تشكيل فريق برلماني وذلك لان الحزب ظل دائما يكرس نفسه كحزب قوي في المشهد السياسي، بالاضافه الى أن صناديق الانتخابات لم تكن محملة بأصوات الناخبين فحسب ولكن بالرسائل السياسية العقابية لحصيلة العدالة والتنمية ولقيادات الحزب خلال الولايتين الماضيتين.
وأن هذه الحصيلة لا ترتكز على أي انجاز كبير كان يمكن أن يقنع الناخبين بالتصويت لهم مرة أخرى، بل إن وضعه الداخلي مرتبك بفعل صراعات بين عدة أطراف وخاصة سعد الدين العثماني وعبدالإله بن كيران حتى أن الأمر وصل للقطيعة بينهما، ورغم محاولة إخفاء الأزمة والتحكم فيها داخليا إلا أنها أثرت بشكل واضح على مواقف الحزب ،يضاف إلى ما تقدم التناقضات التي وقع فيها الحزب أكثر من مرة واستعماله لخطاب المعارضة مع أنه في الحكم.
لكن في الوقت نفسه، يمثل المغرب امتدادا لمحيطه الإقليمي، ورغم أن التجربة المغربية تستوعب كل الحساسيات الحزبية لكن العدالة والتنمية سيحتاج الكثير من الوقت لبناء مستقبله من جديد وهو أمر بات صعبا بعد انهيار شعبيته، فهو لم يحسن التعامل مع السلطة.
الحزب رفع خلال الولايتين السابقتين مجموعة من الشعارات وطرح مجموعة من البرامج الوردية التي تتحدث عن مكافحة الفساد ودعم الطبقات الفقيرة وإصلاح التعليم وجلب الاستثمارات، لكن في المقابل حصيلته كانت دون المستوى حتى أنه كانت هناك قرارات غير شعبية للحزب أثارت انزعاجا بالمجتمع المغاربي.
التعليقات