لم تعد ذكرى المناسبات والأعياد الوطنية، أو الاحتفال بمولد شخصية وطنية، أو إحياء ذكرى الوفاة، إلا فرصة لإثارة الجدل، ونبذ الخلافات في وجهات النظر لتأليب الماضي، ونبش القبور أحياناً، دون التطرق إلى الاستفادة من التجربة، أو النظر للمستقبل عبر تصحيح أخطاء ما مضى.
وحديثي في هذا الشأن بالطبع يأتي بعد حالة الجدل التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام في ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، والتي هي بالتأكيد جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر المعاصر، لنجد من يهاجم الثورة ورجالها من ناحية، والمدافعون عنها وهم الأكثر، خاصة أن الدولة ومؤسساتها تحتفل بها رسمياً، ومن ثم لايجب أن تكون محلاً للخلاف.
والغريب في الأمر أن غالبية المناسبات تحولت إلى هذا الطريق الذي أعتبره أخطر ما يهدد تاريخ مصر، وتشويش الأجيال القادمة لتصبح في حيرة من أمرها، بدلاً من البحث والتفاخر بكل مرحلة مر بها الوطن، حتى وإن كانت غير مُرضية للبعض الذين ينتظرون المناسبة لتوجيه سهام النقد والتشكيك ، والتجريح في الأحياء والأموات.
وتحولت الكثير من الصفحات للحديث والدفاع عن الثورة وثمارها، ورجالها ووطنيتهم في التخلص من النظام الملكي وتبعاته، وأخرى للهجوم عليها، ومن ثم الهجوم على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ورفاقه، ودور الرئيس الراحل محمد نجيب، في حين أن المرحلة التي يعيشها الوطن تتجاوز كل ذلك بكثير.
ومن غير المقبول أن تكون الأعياد الوطنية وغيرها، مناسبة لهذا المناخ الذي نعيشه، ويسير بنا إلى الوراء، والماضي والتشكيك فيه، لأن المرحلة الحالية لا تطلب الخلاف أو الاختلاف على الماضي بقدر ما تحتاج الاتفاق على المستقبل، وتقييم التجارب والاستفادة من الأخطاء إن وجدت للسير نحو الأمام، بدلاً من الوقوف في محطة الخلافات دون التحرك للأمام.
وكل مرحلة أو خطوة سياسية، أو ثورية، أو أداء ملك أو زعيم أو رئيس أو شخصية عامة، هو في النهاية مجرد عمل بشري ليس معصوماً من الخطأ، بل إن كثرة التجارب وكثرة العمل والإنتاج تعني وجود الأخطاء، والسلبية لا يتولد عنها أخطاء بل تتولد عن المواقف الإيجابية.
وتقييم التجربة للأسف لم يعد يخضع لعوامل حيادية لأسباب كثيرة في ظل حالة الفوضى المعلوماتية، وبث السموم هنا وهناك لإحباط أجيال قادمة، وفقدها الثقة في وطنها وقياداتها، والغوص بهم في أعماق الماضي، وإيهامهم بأن ماضيهم منقسم بين مؤيد ومعارض، وإبعادهم عن المستقبل الذي يريدونه، ونريده نحن كمصريين وكعرب في ظل تحديات المرحلة الراهنة وضعف الدور الثقافي هنا وهناك، وطغيان وسائل الاتصال الحديثة على عقول الصغار والكبار معاً.
إن ما نعيشه الآن يتطلب وقفة حاسمة، بدءاً من الأسرة، ثم مؤسسات الدولة المعنية، خاصة وسائل الإعلام، وإصدار وتفعيل قوانين يكون من شأنها عدم التجريح أو التشويه لثوابت ومناسبات وشخصيات وطنية هي الآن في حكم التاريخ، وغالبية أصحابها في ذمة الله وضمير الوطن.
وكل ما أخشاه أن يكون ما يحدث الآن بداية لخطوات ومخططات سلب الهوية والتاريخ المشرف لأجيال مصر القادمة، ومن غير المقبول أن يتم استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لفقدان الثقة، وإلهاء الأجيال وإرباك تفكيرهم، وتشويه أفكارهم بما لايفيد في ظل وطن عربي أصبح يعاني من الانقسامات الداخلية والاضطراب على الأرض ، وبالتالي لا يحتاج إلى أي انقسامات من نوع آخر.
التعليقات