بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسيطرة طالبان على ولايات أفغانية كثيرة، من المتوقع ان تصبح كابول وما حولها، هي مصدر الآلة الإعلامية الغربية الجديد لتغذية الإسلاموفوبيا، حيث تعمي عادة الآلة الإعلامية عن الغالبية العظمى للمسلمين المسالمين لتتصيد نماذج لا تصل نسبتها إلى أقل من نصف في المليون، بهدف تشكيل صورة ذهنية مشوهة عن الإسلام في العالم، تجسدها جماعات العنف الديني من القاعدة الى داعش مرورا بطالبان وبوكوحرام، لإبراز الوجه العنيف في (سوق الإسلام) بينما تتغافل هذه الآلة الإعلامية عما يرصده باحثون غربيون منصفون عن تيارات تدين مغايرة تماما ومنها التيار الذي اطلق عليه (إسلام السوق) وهو عنوان كتاب مهم للباحث السويسري باتريك هايني، ظللت أبحث عنه كثيرا الى أن وجدته في معرض القاهرة للكتاب الذي اختمم اعماله أخيرا.
يرصد الكتاب، الذي صدرت طبعته العربية عام 2015 عن مدارات للأبحاث وترجمته عومرية سلطاني، تحولات نوعية حدثت في مسيرة التدين خلال العقود الماضية منطلقا من فشل الصحوة الإسلامية في تقديم نموذجها النقي للمجتمع بعد ان تقبلت قيم السوق لتصاب بحالة من السيولة في المفاهيم الحاكمة وتتبنى رؤية التنمية البشرية الامريكية التي تركز على النجاح الفردي والسعي للثروة.
يتحدث الكتاب عن التزاوج العصري بين ممارسات الخطاب الاسلامي والأسس الفلسفية والعملية لمفاهيم السوق، والمحمل بمضامين “العولمة والنيوبرالية”.
يدافع المؤلف عن هذه الاطروحة بعدد كبير من الأمثلة في بلدان إسلامية متنوعة منها مصر وتركيا وإندونيسيا والمجتمعات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة ولكن يفتقد للاطار النظري القوي الذي يدعم أسس هذه النظرة، وربما يتغافل عن نماذج أخرى قد تناقضها ،وان كان ذلك لا يقلل من أهمية الكتاب في شرح هذا النمط من التدين الذي ساد بين قطاعات من المجتمعات الإسلامية.
وفق هذه الرؤية (نفهم تحول الدعوة الى مشهد على شاشات الفضائيات، وسلع تباع للفرجة في فيديوهات لبرامج تليفزيونية، ولا تتم مجانا، بل هناك حركة رأسمال، وثروات تتراكم ونجوم تصنع وتسوق لصالح هذا النموذج من (إسلامو السوق) كما جاء في تقديم الكتاب.
على هذا النحو يستعرض المؤلف نماذج وشهادات تخدم هذه الرؤية ، فقد تعمق أكثر في وصف الحجاب، وكيف تحولت فلسفته من لباس للحشمة والتواضع، إلى (حجاب ما بعد إسلامي)، منفتح على حالة استعراضية للتفاخر وإظهار الجمال، وتتبع الموضة، ولافتات دور الأزياء العالمية.
ويشير الى ظهور طيف كبير من “الدعاة الجدد”، أمثال عمرو خالد في مصر والوطن العربي ، و”عبد الله جمنستيار” في جنوب آسيا، الذين جذبا خلال سنوات قليلة من ظهورهما ملايين المؤيدين، في طرح إسلام عصري، يركز على السلوك الفردي، والتدين الوجداني، وتغليب طرح محبة الله على الخوف منه، مع تجاوز واضح للمصطلحات الكبرى التي ميزت التيارات الإسلامية، مثل قضية الأممية، كما يرصد المؤلف سمات هذا الجيل الجديد من “إسلاميي السوق” موضحا أنها نتجت عن ثلاثة ظواهر:الأولى تجاوز “الإسلاموية”: أي بلورة تديّن جديد، ينتمي إلى العالم المعاصر، يتمحور حول أخلاق الفرد وروحانياته، منزوع السياسة، ومستريح إلى المرجعيّة العالمية.
والثانية تديّن تحركه قوى السوق بإدخال مكونات الصداقة بين عالم الدين وعالم المال، وفك الارتباط بين التديّن وبين هموم الأمة.
والثالثة إعادة تسييس الديني على أسس “نيوليبرالية، ليس لتطبيق الشريعة، وإنما بهدف خصخصة الأعمال.
يمكن القول إن هذال التيار يعبر عن زواج الليبرالية بالإسلام وفي الوقت نفسه يثير أسئلة عديدة منها: هل كل من يحب التدين ويخشى المواجهة أو التصادم مع السلطات معولم الهوية، ليبرالي الفكر والسلوك؟ أم أن هذا الحكم ببساطته ينطبق على عامة الناس من المسلمين؟ وهل كل سلوك فرداني يمثل جزءا من تيار تديني جديد يخضع لاقتصاد السوق؟
يمكن القول أن الكتاب يرصد تحول الاهتمام (من طبائع الاستبداد الى طبائع الاستهلاك) لذا فإن يقع في تناقضية تحتاج الى دراسات أخرى المفترض ان تقوم بها المؤسسات الدينية الرسمية بالعالم الإسلامي باعتبارها ادرى بشعاب مكة، لأنه ببساطة اذا تركت شئون الدعوة والفكر الديني للهواة او الدخلاء فسوف تتكرر نماذج أخرى لحركات العنف المتمسحة بالدين أو نجد أمثلة جديدة لإسلام السوق!
التعليقات