من حق الشعب المصري أن يشعر بالقلق، ومن الطبيعي أن تحمل الفترة التي نعيشها حالة من التوتر نتيجة تطور الأحداث بشأن سد النهضة الإثيوبي، ووصول المفاوضات إلى طريق شبه مسدود، خاصة في ظل بعض المواقف الدولية التي لم تكن داعمة لمصر والتي لم تكن أيضاً مفاجأة للمشتغلين بالسياسة والعلاقات الدولية.
والمواقف غير المتوقعة لبعض الدول في قضية سد النهضة ، والخروج ببيانات وتصريحات غير حاسمة في قضية بهذه الأهمية حملت حقيقة الموقف الذي لايريد أن يفهمه البعض، وأن مصر دولة مستهدفة من الكثيرين، والسبب هو قدرتها على عبور وتجاوز مخططات تقسيم المنطقة منذ 2011.
كل ما سبق نعرفه، والقيادة السياسية في مصر تدرك المواقف تجاه مصر جيدا، ورجال مصر المخلصين في الأجهزة المعنية لديها يقين وثقة في عملها، ولعل المواقف والتوازنات والمصالح السياسية والاقتصادية بين العديد من الدول تثبت صحة التقدير المصري للمحيط الذي نعيش فيه.
يبقي الأهم وهو أن حالة القلق والمخاوف وإن كانت مطلوبة لكون الأمر يتعلق بالحياة ممثلة في الحفاظ على مياه النيل، إلا أنها في تقديري لم تكن سوى حجرة عثرة في طريق مصر وسرعان ما تنتهي بالطريقة والأسلوب الذي تفرضه الإرادة المصرية بوحدة شعبها الذي واجه ما هو أكبر وأخطر من ذلك بكثير على مر التاريخ.
وبالنظر لما شهده الجيل الحالي من الشباب ، خاصة الذين عايشوا ثورة 30يونيو عن قرب، وتعرفوا على المخطط الذي كان مدبرا ضد البلاد، فإن ما نعيشه الآن ما هو إلا موجة جديدة استكمالا لهذه المخططات.
من كان لديه التصور الكامل على قدرة الرئيس السيسي والشعب المصري على إزاحة نظام حكم جماعة الإخوان؟ ومن كان يتخيل سرعة عودة الأمن والاستقرار رغم قنابل المتفجرات والعمليات الإرهابية التي أحاطت مصر من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب؟ومن كان يتوقع بأن مصر بعد هذه السنوات القليلة ستكون بالصورة التي نراها الآن في مختلف القطاعات وإن كنا نطالب بالمزيد ونسعى لجني ما هو أفضل؟.
كل هذه الأسئلة وغيرها لابد أن تكون في الأذهان عند تحليل المشهد، ولابد أن يدرك كل مصري يعيش على أرض هذا الوطن بأن كلمة السر في وحدة الشعب وتماسكه، وعناية الله التي تحرص الأرض المباركة التي ذكرت في الكتب السماوية.
ويزعجني كثيراً حالة التسرع لدى الرأي العام المصري بشأن بعض الحلول للأزمة وكأنها ستنتهي في يوم وليلة أو في ساعات معدودة بشكل أو بآخر، وتقدير الموقف من وجهة نظري هي أن الأمور ستتطلب المزيد من الوقت الذي لم ولن يشكل خطراً على أمن مصر المائي بأي حال من الأحوال.
والحروب التي خاضتها مصر، والمحن التي تحولت إلى المنح، والصعاب التي حولها المصريون إلى فرص، والوعي الذي أفشل مخططات الداخل والخارج وواجه التحديات قادر على العبور وحسم الأزمة لصالحه، بأقل الخسائر، وربما يكون الرهان على خطط ورؤى بعيدة المدى للوصول إلى الهدف، وليس مطلوباً أن تخرج قيادات الدولة لتحكي كل شئ لبعث رسائل التفاؤل والطمأنينة.
والقضية هنا تتعلق بمدى الثقة التي بين الشعب وقيادته في الأزمات، والتجارب التي شهدتها السنوات الماضية منذ تولي الرئيس السيسي شئون البلاد شاهدة على ذلك فيما يتعلق بحدود مصر وأمنها وهويتها الوطنية الراسخة.
إن ما أسميه "مناعة المصريين" المكتسبة عبر التاريخ قادرة على حمايتهم بل ومهاجمة فيروسات الفوضى والإرباك والتشويه والتقسيم والفتن، لأن التجارب لابد أن تأتي بالمكاسب والتعود على المواجهة، والتاريخ يسجل لمصر وشعبها الكثير من البطولات التي تبقى ملهمة لكل جيل.
التعليقات