لم يكن مشروع القرار الذي تقدمت به دولة تونس الشقيقة لمجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، يحمل المجاملة، أو الإنحياز لأي طرف، بقدر ما يحمل الحيادية، وهو مشروع قرار تضمن وقف الملء الثاني للسد، ومن ثم عدم قيام أي طرف بإجراءات أحادية الجانب، وهو ما نتمنى تحقيقه تجنباً للعواقب.
وفي نفس الوقت، جاء مشروع القرار التونسي، ليعيد إلى الأذهان العلاقات المصرية التونسية الممتدة بكل جذورها في البلدين، حتى في أوقات المحن، لنجد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ يومين بإرسال طائرتين عسكرتين محملتين بالأدوية والمستلزمات الطبية للشعب التونسي الشقيق، حيث تتشابه الظروف والأحداث في البلدين بنسبة كبيرة قديماً وحديثاً بالتأثير والتأثر.
والعلاقات المصرية التونسية شهدت خلال الفترة الأخيرة تطوراً ملحوظاً ضمن سياسة مصر الخارجية وحتمية عودتها بقوة لدورها الريادي في إفريقيا وفي المنطقة، وهذا الأمر يرجع لأسباب كثيرة، لعل أهمها حالياً هو تطور الأحداث في ليبيا وحرص مصر على الاستقرار الليبي، وعودة الدولة الوطنية المستقرة في ليبيا، وتمثل تونس أحد أهم دول الجوار الليبي، ومن ثم هي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري في مثلث "مصر-ليبيا-تونس".
كما أن تونس كدولة في الشمال الإفريقي تعني الكثير لمصر، خاصة في منطقة البحر المتوسط، وما تشهده المنطقة من تطورات واكتشافات بترولية، والصراع الدولي في المنطقة الآن، ويقظة مصر للمخططات الطامحة والطامعة في لعب دوراً جديداً بمنطقة المتوسط، والاستعداد الجيد للمواجهة.
وأوصر العلاقات التاريخية بين مصر وتونس متأصلة منذ القدم، وصولاً إلى أجواء ما سُمي بأحداث الربيع العربي، لتمر مصر وتونس بنفس الظروف والأحداث تقريباً، سواء حالة التوتر، أو وصول التيار الديني للحكم ثم التخلص منه، إلا أن تونس قادرة على إنهاء أزماتها خلال الفترة القادمة.
ولم يكن إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن 2021-2022 هو عام الثقافة المصرية التونسية من فراغ، بل ترجمة لروابط تاريخية وثقافية مشتركة، لتصبح تونس أول بلد عربي تختاره مصر في عامها الثقافي، كما كانت تونس ضيف الدورة 43 لمعرض الكتاب عقب عودته لأول مرة بعد يناير 2011، ولا يوجد مصري أو تونسي، إلا وفي ذهنه شخصيات وعلماء وفنانين مصريين وتونسيين لايتسع المجال لذكرهم تأثر بهم ،وكان لهم دوراً في طريقة تفكيره، وتأثره بهم في حياته اليومية.
وحمل لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس التونسي قيس سعيد بقصر الاتحادية في أبريل الماضي الكثير من أوجه التعاون التي يجب أن تكون بين مصر والسودان، خاصة في مجال الفكر والثقافة، واستغلال الحراك الثقافي التونسي الممتد تاريخياً في تبادل الخبرات والرؤى لوضع أجندة عمل مشتركة تقوم على مصر المتوسطية، وليس العربية، أو الإفريقية فقط، وذلك بحكم متغيرات الوضع الراهن.
ومصر وتونس فرصة لبعضهما البعض في بناء كيان، أو مؤسسات ثقافية مشتركة تقوم على أساس الخبرة، والتاريخ المشترك، لمواجهة الأفكار المسمومة، خاصة بعد تجربة حكم التيار الديني في البلدين، ومعاناة ويلاته هنا وهناك، وعلى وزارة الثقافة في البلدين تبني مشروعاً قومياً في هذا الصدد، وهو أهم ما نحتاجه اليوم وسط موجات الفكر الظلامي، أو ما نسميهم "طيور الظلام".
إن مشروع القرار التونسي بمجلس الأمن، ثم مسئولية مصر تجاه تونس بمشاركتها المحن خطوة يجب البناء عليها نحو مستقبل أفضل يقوم على إحياء الجذور التاريخية، والاستفادة بالواقع المشترك، وما فرضته تطورات المشهد بالمنطقة، ومن ثم ثقافة مشتركة وموحدة تعرف هدفها كما تعرف أعدائها، وتقوم على مفاهيم جديدة تتناسب مع المتغيرات، فلا بناء للأوطان دون وعي وثقافة ومعرفة بتاريخ الأمم.
التعليقات