ضربت المرأة المصرية أروع الأمثلة في الفداء والوطنية وها هي المجاهدة السيناوية المصرية "فرحانة سالم" من قبيلة (الرياشات) الشيخ زويد التي اشتهرت في سيناء الحبيبة بلقب (تاجرة القماش) والتى تبلغ من العمر حوالي (١٠٠ عاما) .
تربت في مدرسة التضحيات بعد أن دربها رجال منظمة (سيناء العربية) على حِمل نقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى رجال المنظمة الذين أنفقوا الغالي والرخيص لكي تعود سيناء حرة، ولم تنتظر المقابل وطلبت من إبنها أن ينقلها لمؤسسة (حياة) حيث فوجئ الإبن بأمه وهى تخلع خاتمها الذهبي تتبرع به لبناء مستشفى (حياة) للأورام بسيناء، ورغم ما قامت به من بطولات جليلة.
ومن داخل منزلها بمحافظة شمال سيناء بمدينة العريش استقبلتنا بملابسها السيناوية التقليدية، وفى بداية الكلام قالت: أنا متفائلة جدا بمستقبل مصر وهناك إنجازات ومشاريع كبرى فى الطريق لأبنائنا وأولادنا والرئيس عبدالفتاح السيسي هدية ربانية لمصر وواجب علينا جميعا أن نعمل على زيادة الإنتاج والإعمار والخير.
ولقد أعطينا الجنود الإسرائيليين دروساً لن ينسوها طوال حياتهم، وأهالي سيناء قدموا بطولات عظيمة في تاريخ مصر الوطني وشاركت المرأة في تلك البطولات وضربت القدوة والمثل لكل الأجيال، فمصر صاحبة الحضارة وهي السند الحقيقي لكل الأمة العربية قبل أن تكون السند لشعبها والأهم من ذلك أن مصر هى التى زرعت الخير وعرفت الناس التوحيد لأنها أم الحضارة، والترابط بين أبناء الوطن وأن كلمة الأمان من الإيمان ولابد أن يعي الجميع أنه لابد من التوحد والتصدى للمؤامرات والمكائد من أجل الوطن خاصة أن مصر مستهدفة والكل يعلم ذلك والتاريخ يشهد بأنها انتصرت وستنتصر بشعبها وأبنائها المخلصين.
وتروى المجاهدة السيناوية فرحانة حكايتها قائلة: كنت أعمل بتجارة الملابس التي كانت تدرُ لي ما يكفي الأبناء فبعد قيام إسرائيل بعدوانها الغادر على مصر في عام 1967 وإحتلالها سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان السورية، حزنت بسبب نكسة يونيو عام 1967 وكنت شديدة الإيمان بأن الجندي المصري لم يدخل المعركة وأن إسرائيل حصلت على نصر لا تستحقه ونالت مصر هزيمة لا تستحقها ولذلك بكيت عندما تابعت يوم 9 يونيو عام 1967 خطاب الرئيس جمال عبد الناصر وإعلانه تنحيه فرفضت ذلك بشدة مع الشعب المصري فهاجرت مع أسرتى و( 6 ) أسر أخرى من أبناء القبيلة إلى سمالوط في محافظة المنيا ومنها إلى مديرية التحرير وفي تلك الفترة سافرت إلى عين شمس بالقاهرة حيث يعيش الشيخ حسين أبو عرادة أحد كبار مجاهدي سيناء.
وزارنى في منزلى بمديرية التحرير المجاهدان سليمان أبو ظهير وعطية سالم وكانا يحملان تكليفا بمهمة جلب معلومات من سيناء وذلك نظراً لتميزى في معرفة الطبيعة الجغرافية لمصر وسيناء والأراضي الفلسطينية .
وبعد 6 أشهر من التدريبات المكثفة تم تدريبي جيداً بدقة شديدة وفي سرية تامة عُدت مرة أخرى لمرحلة النضال فى سيناء لقد كان الطريق من سيناء للقاهرة وعراً والتجول بالصحراء يحتاج دليلاً فكنت أستدل على الطريق بالنجوم والأفلاك وكانت مهمتى اختراق المعسكرات الإسرائيلية ومعرفة المعلومات وتصوير الخرائط وكانت مهمة صعبة حيث كنت أنقش البيانات والأرقام على الرمل ثم أقوم برسمها على قطع من القماش بخيوط وبعدها أقوم بوصلها بجلبابى البدوي وساعدنى فى ذلك طبيعة الزي السيناوي وهو ما مكني من التنقل بين ثكنات العدو ومخيماته بـ (بؤجة) أحمل بها بعض الأقمشة التي قررت أن أبيعها للأعداء.
وفي رحلة العودة أرصد أعداد المعدات الإسرائيلية والنقوش المرسومة عليها عبر الحفظ في الذاكرة لعدم إجادتى القراءة والكتابة والنقل عن لسان الفدائيين في سيناء الرسائل إلى القيادات الأمنية في القاهرة والخرائط حتى إمتهنت تجارة الأقمشة التي كانت تخبئ بين طياتها الرسائل والخرائط.
وقمت بتهريب الرسائل عشرات المرات وإستطعت الحصول على خريطة مطار (الدورة) الذي خطط لبنائه اليهود وكانت من أكبر العمليات الاستخباراتية التي سطرتها مصر ضد العدو اليهودى من خلال السير على الأقدام إلى منطقة (الدهيشة) وكنت أقوم بإخفاء آثار أقدامى مرة بجريدة ومرة بجلد ماعز مربوط على قدمي كما تمكنت من تصوير أحد أهم القواعد الإسرائيلية في (كامب ياميت) وكانت من المهام الصعبة.
وقد تعرضت لقوات الإحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة ولكن عناية الله كانت تحفظنى وعندما علمت القوات الإسرائيلية بنشاطى حضرت سيارة إسرائيلية وأخذتنى إلى مكتب المخابرات بمنطقة (كرم أبو سالم).
وتم إحتجازى بمكتب مظلم وعرض على الضابط الإسرائيلي 100 طلب مقابل معلومة واحدة عن مكان عطية سالم قائد المجموعة وقتها قدرت أفهمهم إنى لا أعرفه من قريب ولا من بعيد وليس لي إتصال بأحد وتم الافراج عنى بعد فترة من الوقت.
وكنت أخبر المجاهدين في سيناء بنجاح مهمتى في كل مرة عن طريق إرسال برقية لأحد برامج الإذاعة المصرية وكنت أقول في رسالتى: ( أنا أم داود .. أهدي سلامي إلى إخواني وأخواتي في الأراضي المحتلة) وكانت الأفراح تعم ربوع القبيلة عند سماع هذه البرقية في سيناء ويقوم المجاهدون بتوزيع الحلوى إبتهاجاً بنجاح العملية.
التعليقات