يسابق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الزمن نحو إعادة بناء علاقات مصر الخارجية بشكل متوازن، بعد عقود من الإهمال لجوانب كثيرة كان يمكن استغلالها سياسياً واقتصادياً نحو الأفضل لمصر وغيرها من الدول، الأمر الذي يزيد من الأعباء نتيجة تراكمات الماضي وأخطائه.
نقول ذلك بمناسبة زيارة الرئيس السيسي للعراق أول أمس، وعقد قمة ثلاثية ببغداد مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وهي أول زيارة لرئيس مصري للعراق منذ أكثر من 30 عاماً، بسبب توتر العلاقات عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990.
ولم تكن زيارة الرئيس للعراق وعقد القمة الثلاثية وليدة اليوم، بل جاءت تتويجاً لجهود كثيرة خلال الفترة الماضية على مستوى وزراء متخصصين من الجانبين، كذلك الزيارة الهامة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري للعراق في أكتوبر الماضي، وسبقها الاجتماع التنسيقي بين وزراء الدول الثلاث مصر والعراق والأردن عبر الفيديو كونفرانس في مارس الماضي وحضرته الوزيرة المصرية الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي.
وتأتي زيارة الرئيس والقمة الثلاثية في ظل اتفاق قائم وفعال بين مصر والعراق، والذي يحمل شعار "النفط مقابل الإعمار"، ويتم إمداد الهيئة العامة للبترول بقرابة 12مليون برميل سنوياً من النفط الخام، في ظل وجود شركات مصرية تنفذ مشروعات تنموية بالعراق قبل الإجراءات الدستورية العراقية التي تتطلب ذلك.
من هنا نستطيع القول بعيداً عما تم إعلانه من بيانات رسمية عقب القمة الثلاثية، إن الأسواق المصرية العراقية الأردنية تستطيع أن تخطو خطوات نحو القمة، خاصة في مجال الطاقة، كما أن حجم التبادل التجاري بين مصر والعراق وصل عام 2019 إلى486 مليون دولار يصب غالبيته لمصلحة الجانب المصري.
والأسواق العراقية تستورد من مصر الكثير من المنتجات أبرزها الأثاث، والأدوية والزيوت وغزل القطن والسيليكون والبصل المجفف ومستحضرات التجميل والأدوات الصحية والملابس، ومصر تستورد من العراق مكسبات الطعم ومنتجات الكاكاو والشيكولاته وغيرها، وهو ما يعني إمكانية النهوض بالتبادل التجاري إلى أضعاف الأرقام الحالية.
وحمل التعاون المصري العراقي خلال السنوات القليلة الماضية المزيد من اتفاقيات التعاون المشتركة،كما أن هناك بروتوكول تنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين منذ عام 2001، وفي عام 2019 اتفق وزراء التجارة والصناعة للدول الثلاث على وضع خطط وآليات جديدة لتنفيذ التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري المشترك.
إن السير بالتعاون الاقتصادي بين مصر والعراق نحو القمة، لن يكون المكسب الوحيد للبلدين، لأن تطورات الأوضاع في المنطقة الآن تتطلب المزيد من التعاون الأمني والتكاتف لحل قضايا أخرى مثل القضية الفلسطينية ومواجهة الإرهاب وغيرها، وانفتاح العراق نحو علاقات سياسية اقتصادية جديدة يراها الكثيرون ضرورة حتمية بدلاً من الإنخراط العراقي الكامل مع دول أخرى.
ولا ننسى أن أبناء الشعب المصري في كل المحافظات يعرفون جيداً كيف كانت العراق بالنسبة لمصر، والعمالة المصرية وتواجدها هناك، وتبني الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لها، لدرجة جعلت الطلبة يفضلون السفر إليها للعمل أثناء الإجازة الصيفية، والعودة بالأموال لبناء حياتهم هنا.
ولعل أبرز مجالات التعاون المصري العراقي تتمثل في البناء والتشييد، وهي أهم خطوة نحو بناء عراق جديد يستطيع النهوض مما تعرض له من أزمات ونكبات خلال السنوات الماضية، سواء من الأطماع الخارجية والتدخلات الأمريكية ، أو حالة الانقسام والصراع الذي تبدو في نهايتها لبناء وطن جديد.
وحتى على المستوى الثقافي، لا ننسى الجملة الشهيرة "مصر تكتب وبيروت تطبع والعراق تقرأ"، وهو ما يحمل في طياته الثقافة العربية المشتركة والمكملة لبعضها البعض، والواقع الحالي يحمل الكثير من أوجه التعاون في مختلف المجالات.
إن القمة الثلاثية الأخيرة تعطي مؤشرات جيدة وبوادر الأمل لبناء العراق العريق الذي نعرفه، وقرأت عنه الأجيال، والتعرض للأزمات والمحن لايعني النهاية بقدر ما يحمل الأمل الجديد لاستعادة النهوض وبناء الأمم.
التعليقات