من الشخصيات الهامة والمؤثرة فى حياتى القارىء الشيخ أبو العينين شعيشع واحد من أساطين دولة التلاوة في ذروة مجدها الذى شغل العديد من المناصب الدينية فقد كان قارئًا في مسجد السيدة زينب ونقيبا للقراء وعضوا للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعميدا للمعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم وعضوا للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون وعضوا للجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف وعميد المعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم.
وعرف عنه تأثره بالشيخ محمد رفعت وهو ما دفع الإذاعة إلى الأستعانة به لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ محمد رفعت دون أن يحصل على أجر كما أنه يعد أول قارئ مصري يقرأ القرآن الكريم في المسجد الأقصى.
وبداية معرفتى بالأب الروحى الشيخ أبو العينين شعيشع منذ منتصف التسعينات ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقته الأبوية تظهر لى من خلال لقاءاتى الصحفية العديدة معه وحضورى معه فى بيته وأتصاله الدائم لى بالأطمئنان على ولا أستطيع أن أنسى دعوته لى لجولاته الواسعة في ريف مصر لاكتشاف المواهب الجديدة فى عالم القرأن الكريم.
وكان ما يميز تلاوة الشيخ أنه برع في مقامات القراءة ولا سيما مقام (الصبا) وهو المقام الذي يتميز بالشجن والحزن وناضل الشيخ في السبعينيات لإنشاء نقابة القراء مع كبار القراء وقتئذ مثل الشيخ محمود علي البنا والشيخ عبدالباسط عبدالصمد ثم انتخب نقيبا لها في العام 1988.
ولد القارىء الشيخ أبو العينين شعيشع بمدينة بيلا محافظة كفر الشيخ في أسرة كبيرة العدد متوسطة الدخل بعد أن رزق الله عائلها وربها بأحد عشر مولودا لقد جاد المولى على هذه العائلة بالمولود الثاني عشر ليكون لهم سندا ويحدثنى الشيخ شعيشع عن حياته قائلا : كانت ولادتي غير مرغوب فيها لأنني كنت الأبن رقم 12 ووالدتي كانت تفعل المستحيل للتخلص مني ولكني تشبثت بها حتى وضعتني وذلك لحكمة يعلمها الله حيث كنت فيما بعد مسئولاً وسبباً في إطعام كل هذه الأفواه في ذلك الحين.
إلتحق شعيشع بالكتاب (ببيلا) وهو في سن السادسة وحفظ القرآن قبل سن العاشرة، ألحقته والدته بالمدرسة الإبتدائية لكي يحصل على شهادة كبقية المتعلمين من أبناء القرية ولكن الموهبة تغلبت على رغبة الوالدة كان الشيخ أبوالعينين يخرج من المدرسة ويحمل المصحف إلى الكتاب ولكنه كان حريصا على متابعة مشاهير القراء فكان يقلدهم ساعده على ذلك جمال صوته وساعده على القراءة بالمدرسة أمام المدرسين والتلاميذ كل صباح وخاصة في المناسبات الدينية والرسمية التي يحضرها ضيوف أو مسئولون من مديرية التربية والتعليم فنال إعجاب وإحترام كل من يستمع إليه.
وكان ناظر المدرسة أول الفخورين به وفي عام 1936 ويستكمل الشيخ أبو العينين ذكرياته قائلا لى دخلت دائرة الضوء والشهرة من أوسع الأبواب عندما أرسل لى دعوة من قبل مدير مديرية الدقهلية أي المحافظ لافتتاح حفل ذكرى الشهداء بمدينة المنصورة وذلك عن طريق أحد كبار الموظفين من ( بيلا) والذي قال لمدير مديرية الدقهلية آنذاك : فيه ولد عندنا في (بيلا) يضارع كبار القراء وفلته من فلتات الزمن وبيلبس بدلة وطربوش ومفيش بعده كده حلاوة.
وذهب إلى المنصورة.. وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها في حياتي وجدت أكثر من 4 آلاف نفس في مكان الإحتفال فقلت : معقول أقرأ أمام هذا الجمع ؟ ! كان سني وقتها 14 سنة وخفت وزاد من هيبتي للموقف أنني رأيت التلاميذ في مثل سني يتغامزون ويتلامزون لأنني في نظرهم ما زلت طفلاً فكيف أستطيع أن أقرأ وهو حفل لتكريم الشهداء.
وقرأت الافتتاح والختام وفوجئت بعد الختام بالطلبة يلتفون حولي يحملونني على الأعناق يقدمون لي عبارات الثناء . فلم أستطع السيطرة على دموعي التي تدفقت قطرة دمع للفرحة تدفعها أخرى لأن والدي مات ولم يرني في مثل هذا الموقف وبعدها حدثت حالة وفاة تهم أحد أبناء بلدته بيلا وكان المتوفى هو الشيخ الخضري شيخ الجامع الأزهر آنذاك فأشار أحد علماء بيلا على الشيخ أن يذهب معه إلى القاهرة ليقرأ في هذا العزاء الذي أقيم بحدائق القبة.
وجاء دوره وقرأ وكان موفقاً فازدحم السرادق بالمارة في الشوارع المؤدية إلى الميدان وتساءل الجميع من صاحب هذا الصوت الجميل ؟! وبعد أكثر من ساعة صدق الشيخ أبوالعينين ليجد نفسه وسط جبل بشري تكوم أمامه لرؤيته ومصافحته إعجاباً بتلاوته وبعد هدوء عاصفة الحب جاءنى شيخ جليل وهو الشيخ عبدالله عفيفي رحمه الله وقال : لا بد أن تتقدم للإذاعة لأنك لا تقل عن قرائها بل سيكون لك مستقبل عظيم.
ولم أتردد احتراما لرغبته لأن القارىء زمان كان نجماَ بجمهوره ومستمعيه وحسن أدائه وقوة شخصيته وجمال صوته وكنا مشغولين بشيء واحد وهو كيف يقرأ الواحد منا بجوار زميله ويستطيع أن يؤدي بقوة لمدة طويلة قد تصل إلى أكثر من ساعتين لأننا كنا نحترم المستمع والجمهور كما لو أننا نقرأ أمام الكعبة أو بالروضة الشريفة وكان القارىء منا عندما يستمع إلى أصحاب الفضيلة بالراديو أمثال الشيخ رفعت والشيخ الصيفي والشيخ علي محمود والشعشاعي كان يسعد سعادة لا حدود لها ويحلم بأن يكون مثلهم وعلى قدر التزامهم بأحكام وفن التلاوة.
وبعد عدة أيام جاءني خطاب اعتمادي قارئاً بالإذاعة وموعد أول قراءة لي على الهواء وكنا نقرأ ونؤذن على الهواء وبدأت شهرتي تعم الأقطار العربية والأجنبية عن طريق الإذاعة التي التحقت بها عام 1939م.
وتحقق ما كنت أتمناه وبعد إلتحاقي بالإذاعة تدفقت علي الدعوات من الدول العربية الإسلامية لإحياء ليالي شهر رمضان بها ووجهت لي دعوة من فلسطين لأكون قارائاً بإذاعة الشرق الأدنى والتي كان مقرها(يافا ) وذلك لمدة 6 شهور وأنتقل كل يوم جمعة من ( يافا) إلى القدس لأتلو السورة (قرآن الجمعة) بالمسجد الأقصى.
بعدها عدت إلى القاهرة لأقرأ القرآن مع نوابغ القراء كالشيخ رفعت والشيخ محمد سلامه والشيخ علي محمود والشيخ مصطفى إسماعيل وغيرهم.
والشيخ شعيشع حصل على وسام الرافدين من العراق ووسام الأرز من لبنان ووسام الإستحقاق من سوريا وفلسطين وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والإمارات وبعض الدول الإسلامية ووسام لا يقدر ثمنه وهو أعظم الأوسمة وسام الحب من كل الناس .وتوفى القارئ الجليل الشيخ أبو العينين شعيشع يوم 23 يونيو 2011 عن عمر يناهز 89 عاما.
التعليقات