لماذا أحبه؟.. ليس لكونه أبى وصديقى وأمانى فى الحياة فقط، وإنما لإنسانيته النقية الطيبة الحنونة الحالمة المحبة الصادقة السالمة، أريد أن يعرف الناس مفيد فوزى الحقيقى، ليس المحاور الشرس الذى يبدو على الشاشة متحجرا أو الذى يتظاهر فوق الورق بثورات خاصة، أو الذى تأخذه الجدية إلى عالم التأمل فتحجب عنه متع الحياة، أنا أريدهم يبصرون الإنسان البسيط بداخله، الذى يبكى من لفتة ويئن من كلمة وينحنى أمام التقدير، وفى عيد ميلاده اليوم لن أستعرض المحسنات البديعية فى وصفه، بل سأعود إلى الخلف فى حضرة بلاغته ليتقدم هو إلى الأمام ويبوح بمكنون الروح كما يشاء، ويقول:
«دنيتى لم تكن على الإطلاق نزهة نيلية أو خلوة فى ضوء القمر، لم تكن قطارا يسير فى مروج خضراء أو رحلة بالطائرة إلى عواصم العالم الترفيهية، إنما كانت دائرة بحث واستفسار مستمر إلى أن أرسو على بر المعرفة، يوم وقفت أتأمل على شاطئ حياتى ما عشته من تجارب ومواقف، أدركت أنى كنت مهنياً طوال العمر، منذ كنت صغيراً أقول ماذا ولماذا ومَن، وأسأل الأسئلة التى يطرحها فضولى وإلى الآن أسأل ومازلت أندهش وأواجه سواد القلوب رغم نيتى البيضاء، وأميل إلى السلام كمنهج راقٍ، وأكره العداء المصحوب بالانتقام لأنه عتمة وظلام، ونزوع إلى حالة الفوضى.
وأنا كمصرى قبطى تعلمت فى مدرسة مسيحية أن أقابل الأذى بدرجة كبيرة من التسامح ولا أجرى وراء المال لأن القليل منه يطرح فيه الله الكثير، وأشكر الله الذى أعطانى أكثر مما حلمت، فقد كنت أبحث طوال العمر عن كلمة من خمسة حروف (الستر) وتعنى عندى الكثير، والأهم هو الستر الصحى لأن بدون الموتور لا شىء يتحرك، ثم الستر الاجتماعى يليه المهنى وأخيرا المادى، وفى جميع الأحوال أشعر دائما أن الله يضع يده على كتفى فأطمئن، ولأن نصف وزنى إيمان فقنديلى فى مشوارى هو الاتكال على مشيئة الله الصالحة الكاملة المُرضية».
«وأعترف أنى حين أبوح تنفرج كل أفكارى وأحزانى وأشجانى فوق الورق فأسردها كتحقيقات صحفية مجسمة كما تتلمذت على يد العمالقة، مؤمنا أن هناك سيناريوهات سماوية تقود الإنسان إلى ما هو فيه، وما هو عليه، وهذا أنا بكل وضوح، النظام من أهم طقوسى اليومية التى تعلمتها فى فجر عمرى من أمى، منبع الحكمة والانضباط فى المواعيد، أسلوب حياتى وطراز الجدية فى التعاملات نمط لا أحيد عنه، لا أتفاءل ولا أتشاءم، وإنما أسلم أمرى إلى الله ضابط الكل، وأثق فى قيادته والسعادة فى نظرى هى تعاسة أقل، أما القلق فهو آفة لم أستطع التخلص منها، ربما لأن قلبى لايزال فى مكانه الصحيح، ومكانى المفضل بيتى، وهو قلعتى التى أحتمى بها، وأرحب فيها بحفنة من الأحباب والأصدقاء، الورق والأقلام من مقتنياتى الثمينة، ودائما أصحح ما أكتبه فى الحال وأؤمن بأن ملامسة أقلامى لأوراقى تعطينى فسحة للتفكير وإطلاق العنان للخيال وإرسال الكلمات واستقبالها من فوق فروع الخيال والآفاق كى تسقط على سن القلم الذى أكتب به.
وتولد فوق الصفحات، ليس لدى مساعدون أو معاونون، أجندتى هى سكرتيرتى الخاصة التى تذكرنى بكافة الالتزامات، أحب الزهور والعطور والغابات والمقاهى الفرنسية والسواحل الإيطالية وساعات القيلولة وأوقات العصارى والقهوة منزوعة الكافيين والشاى الأخضر والشيكولاتة السوداء والبطيخ المثلج وصوت فيروز وعزف البيانو وضوء الشموع الملونة، أعشق الأسفار وأعتبرها محطات للتزود بوقود الاكتشاف وموانئ للاغتسال من الملل وتجديد حبى ومشاعرى لتراب الوطن الغالى، نصف عمرى قضيته على الشاشات ومازلت أطل من نافذة النهار أسبوعيا وأنشغل برفع منسوب الوعى، ومدين لهؤلاء: هيكل الذى جعلنى أتشبث بالكتابة كحلم، وكامل الشناوى الذى احتضن موهبتى، وجليل البندارى الذى وسع آفاقى، وسلامة موسى الذى عمق رؤيتى، وحسن فؤاد الذى قدمنى لأحمد بهاء الدين وفتحى غانم الذى اكتشف قدرتى على التحاور ومحمود السعدنى ومواقفه الإنسانية معى، وعبدالحليم ودعمه لى.
وموسى صبرى ومساندته فى أوج فصلى، ومصطفى أمين الذى منحنى جائزته لبرنامج حديث المدينة، وسامية صادق التى قدمتنى كمحاور، وآمال فهمى التى منحتنى فرصة كتابة الفوازير بعد رحيل بيرم التونسى، ومديحة نجيب التى أدخلتنى الإذاعة بخواطرى على الهواء، ولآمال العمدة رفيقة مشوارى التى تحملت غيابى بحثاً عن الرزق، وفى يوم ميلادى هذا أشعر بنسمة شجن تأتى وتهز أوراق شجرة العمر، وبالمناسبة أنا من أسرة لم تعتد على الاحتفال بأعياد الميلاد، لكن عندما كبرت صارت أسرتى الصغيرة تحتفل بى كل عام، أما أنا فأنتظر قدوم هذا اليوم على رصيف الحياة وعندما يصل أعانقه لا أكثر، وفلسفتى فى الحياة أن القوة فى الاستغناء، وشكراً لأشواك العمر لأنها علمتنى الصلابة أكثر».
التعليقات