هل تعلمون أن الكعب العالي كان في الأساس مصنوع للرجال وليس النساء؟ وأنه كان أحد أدوات الحرب حيث كان يرتديه رماة السهام كي يدخلوا أقدامهم في سرج الخيول التي يركبوها ليمدهم بالثبات والعلو ليسهل عليهم التصويب نحو الهدف.
أول من استخدمه هم أهل فارس ثم انتقل لأوروپا عند طريق زيارة دبلوماسية لوفد فارسي ومن بعد هذه الزيارة بدأت شعوب أوروپا ترتديه إلى أن حدثت النقطة الفارقة عندما ارتدت زوجة هنري الثاني الكعب العالي في حفل زفافها بسبب قصر قامتها، منذ هذا اليوم انحصر استخدام الكعب العالي على النساء وأصبح شيئاً فشيئاً إحدى المقتنيات الأساسية عند معظم السيدات في العالم.
على الرغم من أضرار الكعب العالي وعدم ارتياح الكثير من النساء عند ارتداءه إلا أن الاستغناء عنه عند البعض يعتبر من المستحيلات، فالكعب العالي يضفي شياكة ويخفي قصر القامة ويمنح من ترتديه جسماً فارع الطول خصوصاً لو تم ارتداءه مع الأزياء المناسبة، هناك بعض النساء قررن أن يتحملن آلامه السخيفة وتبعاتها ولا يفكرون أن يتخلصوا منه، بالنسبة لهن ارتداء الكعب العالي يزيدهن ثقة في النفس لما يضفيه من جمال ورشاقة.
إن قرار التخلص من الكعب العالي في هذه الحالة هو قرار ضمني بعدم الاكتراث بما سيقوله الأخرون وهو تخلي عن كل مقومات ال social approval أو ما يعرف بالقبول الاجتماعي.
ما هو القبول الاجتماعي؟ هو ببساطة وبدون تعقيد يعني الإقرار والموافقة من المجتمع المحيط بالفرد على تصرفات الفرد وأفعاله مما يجعله مقبول اجتماعياً وسطهم وهو إقرار أن تصرفاته وسلوكياته تتم في الإطار المقبول من المجتمع وفقاً للعادات المترسخة فيه.
عكس القبول الاجتماعي هو الرفض الاجتماعي والذي بدوره يعني أن المجتمع المحيط بالفرد مستنكر لأفعاله وسلوكياته حيث أنها لا تتماشى مع المجتمع المحيط به.
يتساوى الرجال والنساء والمجتمعات عامة في التمسك بالقبول المجتمعي كهدف في حد ذاته، فتتحمل النساء آلام الظهر ودوالي الساقيين ومشاكل الرقبة والفقرات وأحياناً قد تسقط السيدة بسبب عدم تمكنها من المشي بثبات مرتدية الكعب العالي ولكن كله يهون ابتغاء الرضا والقبول من المجتمع.
ويتحمل الرجال بالمثل ضغوط تشبه في جوهرها ارتداء الكعب العالي، مثلاً أنهم لابد أن يكونوا أقوياء ولا يظهروا مشاعرهم ولا حتى يبكون، انها جملة سينمائية متكررة 'متعيطش انت راجل والراجل مبيعيطش'.
تحت بند القبول الاجتماعي يتحمل الناس كثير مما لا طاقة لهم به لمجرد انهم مختلفين في شكلهم او ملابسهم أو شعرهم او لون بشرتهم او انهم شعورهم مكشوفة او مغطاة او انهم من عرق مختلف او ديانة مختلفة.. إلى أخره من الأشياء التي تحتاج كتب لسردها.
وهكذا ( للأسف ) تكون دورة الحياة، لابد من الالتزام بالقبول الاجتماعي لأخذ ختم الرضا الذي أن تخلوا عنه تعرضوا لتعليقات سخيفة او كلمات جارحة أو حتى إلى تنمر في شكل مزاح.
أنا حقيقة لا أفهم بالمرة لماذا نحيط أنفسنا بهذا الكم الهائل من الضغوطات؟ لماذا علينا أن نفعل أو نبرر أمور كثيرة لا تفسير ولا منطق ولا حاجة لنا أن نفعلها ابتغاء رضا الناس و موافقتهم؟
لقد تعلمت في هذه الحياة أن الناس مختلفة ومتباينة بشكل يصعب فيه الوسطية، وأن لكل مجموعة من الناس المنطق او المنهج الخاص بهم وأن كل ما هو مخالف لمنطقهم هو خطأ من وجهة نظرهم او إضعف الإيمان شيئ مغاير لقناعاتهم.
أن أساس الاختلاف بين الناس يكمن في اختلاف خلفياتهم العلمية والثقافية وأفكارهم وتجاربهم الحياتية وقبل كل شيئ نشأتهم، ملايين الناس على ظهر هذا الكوكب مختلفين جداً جداً و كل منهم يري نفس الأمر من عيونه المختلفة حتى في ألوانها وأشكالها فكيف يمكن أن يتفقوا؟
أن محاولة إرضاء الناس كلهم أو نصفهم او ربعهم عملية مستحيلة استحالة الحفر في البحر او محاولة إقناع الناس بشيئ واحد لا ثاني له.
أن البشر أنفسهم لم يتفقوا على الأنبياء ولا على الأديان فكيف لهم أن يتفقوا على تفاصيل كثيرة ومتشعبة ووجهات نظر واسعة النطاق لا يحكمها إلا المنطق الخاص بكل شخص بمفرده؟
ارتدوا الكعب العالي فقط إذا كانت هذه رغبتكم المجردة مما سيقوله الأخرون، ارتدوه أن كنتم تجدون في ارتدائه مزايا وإضافة لكم تجعلكم تتحملون مضاره، عندها تكونوا فعلتم ما تريدون بمحض ارادتكم … وتذكروا دوماً أن الكعب العالي كان أصلاً للرجال وفي يوم ما تغير ذلك كما يمكن ان تتغير أمور كثيرة إذا قررنا نحن ان نغيرها.
التعليقات