توارثت الأجيال المختلفة في بريطانيا أسطورة منذ قرون، أعادها إلى الأذهان اختفاء ملكة غربان برج لندن المعروفة باسم "ميرلينا" في ظروف غامضة، وما أثار الدهشة أن أنثى الغراب "ميرلينا" لم تغادر البرج منذ انضمامها إلى رفاقها عام 2007.
وكانت تعود دوما إلى البرج إلا مرات معدودة، لكن هذه المرة لم تعد، ويعتقد الجميع أن "ميرلينا" البالغة من العمر اربعة عشر عاما قد تكون ماتت، ما أثار قلق البريطانيين، إذ إن الأساطير المتوارثة منذ أجيال تفيد بأنه في حال تركت كل الغربان برج لندن، سيؤدي ذلك إلى انهيار العرش البريطاني وغرق البلاد في الفوضى.
وحسب مرسوم ملكي أصدره "الملك تشارلز الثاني" سنة 1630، يجب أن يكون هناك 6 غربان في الموقع في كل الأوقات.
ولكن برج لندن، الذي تخزن فيه حلي التاج البريطاني، أصدر بيانا لطمأنة البريطانيين، أكد فيه وجود سبعة غربان حاليا في البرج، أي غراب إضافي عن الستة المطلوبة ـ حسب الأسطورة.
ويملك هذا البرج ماضٍ مظلم ودام، حيث بُني برج لندن في أواخر عام 1066، كجزء من غزو النورمان لإنجلترا، وفي عام 1078، أمر "ويليام الفاتح" ببناء البرج الأبيض، الذي أصبح رمزًا لقهر الأسرة الحاكمة الجديدة لأعدائهم في لندن. وبحلول عام 1100، استخدمت القلعة كسجن، رغم أنه لم يكن الهدف الأساسي من بنائها. واستخدم القصر الكبير قديمًا كمقر للإقامة الملكية.
ولعب برج لندن دورًا بارزًا في التاريخ الإنجليزي، فقد تعرض للحصار عدة مرات، كما كانت السيطرة عليه أولى الخطوات للسيطرة على البلاد، واستخدم البرج كمستودع لحفظ الأموال والأسلحة والحيوانات، وكدار لصك العملة ولحفظ السجلات العامة، وكمقر لحفظ الكنوز الملكية. ومنذ أوائل القرن الرابع عشر وحتى عهد "تشارلز الثاني"، كان موكب التتويج يبدأ من البرج وحتى دير وستمنستر. وفي عهد "أسرة تيودور"، قلّ استخدام البرج كمقر للإقامة الملكية، على الرغم من محاولات تقويته وإصلاح دفاعاته لتقاوم القصف بالمدفعية.
كانت فترة ذروة استخدام البرج كسجن في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث سجن به العديد من الشخصيات، أشهرهم "إليزابيث الأولى" قبل أن تصبح ملكة. وأصبحت جملة "أُرسل إلى البرج" كناية عن أن الشخص سيتعرض للتعذيب والموت، إذ إنه كان سجناً لمئات الأشخاص، ومكان إعدام المئات أيضا، ومن أبرزهم "هنري السادس".
وكانت الغربان دائما دعامة أساسية في برج لندن، أشهر موقع إعدام في إنجلترا لعدة قرون، وأصبح يأتي في مقدمة الأماكن التي يُزعم أنها مسكونة بالأشباح في إنجلترا وكامل الجزر البريطانية، وقد تناقلت الأجيال بضع قصص خرافيّة مفادها أن أرواح أولئك الذين أعدموا في البرج لا تزال تطوف فيه.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كان واحد فقط من الغربان بقي على قيد الحياة، حيث نفق الكثير منها بسبب الغارات الجوية أثناء قصف لندن التي شنتها ألمانيا، ما دفع رئيس الوزراء "ونستون تشرشل" لجلب المزيد من الغربان وتعيين جنود لرعايتها.
وكان الزعيم النازي هتلر وألمانيا على علم بهذه الأساطير حول هذه الغربان، ما جعلها تحرص على وضعها ضمن الأهداف الثانوية للغارات الجوية، وذلك بهدف قتل آخر غراب (كما تقول أساطيرهم)، ما يجعل البريطانيين يؤمنون بزوال مملكتهم، وربما يساهم في تدمير الروح المعنوية ايضاً للجنود البريطانيين، وكادت الطائرات الألمانية أن تحققها في يوليو 1944، لكنها لم تنجح.
وتعتبر الغربان ـ في الوقت الحالي ـ واحدة من عوامل الجذب للسياح الذين يزورون مدينة لندن، كما يعد برج لندن واحدًا من أكثر مناطق الجذب السياحي في إنجلترا شعبية، حيث أضيف البرج إلى مواقع التراث العالمي عام 1988، ولا تزال الغربان تمارس حياتها في البرج.
التعليقات