السينما الصامتة .. 1907-1939
التجارب الأولى
الجزء التاسع
من "ليلى" إلى "زينب"
نساء السينما المصرية.. طلعت حرب.. محمد كريم.. والأخوين لاما الرواد..
طلعت حرب.. والسينما المصرية.
في عام 1923
تم عرض أول فيلم مصري روائي طويل إخراج "ڤيكتور روسيتو" المحامي
بعنوان "في بلاد توت عنخ آمون"
وقام بتصويره الفنان المصري "محمد بيومي"
وفي عام 1925
أنشأ الاقتصادي المصري الكبير "طلعت حرب" مؤسس بنك مصر وشركاته
قسماً للسينما..
تابعاً لشركة إعلانات مصر تحت اسم
"مصر فيلم"
وعمل به "محمد بيومي" الذي اشترى منه البنك المعدات الخاصة
باستوديو محمد بيومي الذي كان قد أنشأه قبل ذلك..
وفي ذات العام صدر المرسوم الملكي بتأليف
"شركة مصر للتياترو والسينما"
شركة مساهمة مصرية
إحدي شركات بنك مصر..
"المرسوم الملكي"
جريدة الأهرام
1925
نشرت جريدة الوقائع المصرية أمس المرسوم الصادر
بالترخيص لكل من
"أحمد مدحت يكن" والدكتور "فؤاد سلطان" و"عبد الحميد السيوفي"
و"أحمد شفيق زكريا مهران" و"أحمد حجازي" و"محمد الطاهري" و"إبراهيم الطاهري"
و"محمد طلعت حرب"..
في تأليف شركة مساهمة تدعى شركة
"مصر للتياترو والسينما"
والغرض من هذه الشركة هو
أن تباشر لحسابها أو لحساب غيرها إنشاء اليتاترات و السينما واستغلالها
وكان إنشاء هذه الشركة في سنة 1925 هو البذرة التي أخرجت لنا بعد ذلك بعشر سنوات أعظم معلم لصناعة السينما المصرية
"ستوديو مصر"..
وحدد لرأس مال الشركة بمبلغ 15 ألف جنيه
قسم إلى 3750 سهما قيمة كل منها 4 جنيهات
ولبنك مصر منها 25000 سهم
واتخذت الشركة مقرا لها فوق "مطبعة مصر" بشارع "نوبار"
ومقرها الآن "دار الكاتب العربي"
وكان أول إنتاج لها سلسلة من الأفلام القصيرة
كان الغرض منها الدعاية لشركات "بنك مصر"
وقد عمل بها من المصورين "محمد عبد العظيم" و"حسن مراد" و"محمد بيومي" والمخرج "محمد كريم"..
وكان هدف الشركة العمل في مجال السينما والمسرح أيضا سواء لحسابها أو لحساب الغير وبعدها..
تم إنشاء معمل للسينما استعانت به شركات السينما
بعد ذلك
تم عرض عدد من الأفلام الروائية الطويلة الصامتة
حتى كان أول فيلم مصري ناطق وهو
"أولاد الذوات"
إخراج "محمد كريم"
وتلاه أول فيلم روائي طويل غنائي وهو "أنشودة الفؤاد"
إخراج "ماريو فولبي"
غناء المطربة "نادرة"
وكتب أغانيه الشاعر الكبير "خليل مطران"
في عام 1934
تم وضع حجر الأساس "لاستوديو مصر"
تابعاً لشركة مصر "للتمثيل والسينما" إحدى شركات بنك مصر
وبدأ العمل به في عام 1935..
وقدم خلال الفترة من 1935 وحتى 1939 عدداً من الأعمال السينمائية الهامة
في تاريخ السينما من بينها
"وداد" إخراج "فريتز كرامب" الذي أخرج فيلم "لاشين"
و"سلامة في خير" للمخرج نيازي مصطفي
و"العزيمة" للمخرج "كمال سليم ".. وغيرهم من رواد تلك الفترة..
إلى جوار "ستوديومصر"
أنشئت العديد من الاستوديوهات لتكتمل البنية التحتية الأساسية للسينما المصرية
والتي – رغم ذلك - بدأت تعاني!
بدأت تعاني من تبعات الحرب "العالمية الثانية"
التي أثرت بشكل مباشر على الإنتاج واختفاء الفيلم الخام لصعوبة استيراده!
وتقلص بذلك إنتاج عدد الأفلام
التي تم عرضها في عام 1943 إلى 15 فيلماً
بعد أن وصلت إلى 22 فيلماً في العام السابق 1942
ثم قفزالعدد إلى 42 فيلماً في عام 1945
وهو رقم يحدث لأول مرة في تاريخ السينما المصرية
وقفز عدد
شركات الإنتاج ليتجاوز المائة شركة نهاية الحرب
مع أن
بعضها لم تكن السينما من اهتماماته!
ويفسر ذلك سبب زيادة الإنتاج لدخول فئة جديدة من
"المنتجين التجار"
-كما هو حال السينما في آونة متعددة في تاريخنا القريب والحاضر -
أثناء الحرب إلى سوق الإنتاج السينمائي
بالإضافة إلي اتجار بعضهم في الفيلم الخام!
دون مشاركة حقيقية في الإنتاج!
وهوالسبب..
في وصول الإنتاج في عام 1946 إلى 52 فيلماً
لدخول كثير من
"المغامرين"
ميدان الإنتاج السينمائي
ليصل من خلال هؤلاء إلي 55 فيلماً في عام 1947
ثم يتراجع
بعد ذلك إلى 44 فيلماً !!!
ثم يرتفع المعدل عاماً بعد آخر
ليصل في عام 1952عام ثورة يوليو إلى 59 فيلماً ..
وليواصل ارتفاعه
ليصل في عام 1954 إلى 66 فيلماً.
ونكتشف من خلال هذا الاضطراب في أعداد إنتاج الأفلام ما بين صعود وهبوط
سرعة و حساسية تأثر الفن السينمائي بالحالة السياسية والاقتصادية
للبلاد وللاضطراباات والتحالفات العالمية أيضا..
حتى يومنا هذا..
وهنا لا يسعني إلا أن انقل جزء كبيرا من مقال الأستاذ "رشاد كامل"
تحت عنوان
"طلعت حرب وسنه أولى سينما"
المنشور في 24 يوليو 2019
والذي استشهد فيه بخطاب "طلعت حرب" نفسه في اجتماعه عن صناعة السينما
والتي اعجز اليوم.. اكرر اعجز اليوم
أن اجد من فهم "الصناعة" بهذه "الرؤية الفنية"
والمستقبلية مثل "طلعت حرب" !
وبعد عامين من تأسيس الشركة وإنتاجها لبعض الأفلام التسجيلية القصيرة..
قرر "طلعت حرب" دعوة كبار رجال السياسة والأحزاب والفكر
لمشاهدة بعض هذه الأفلام في "تياترو حديقة الأزبكية" مساء 29 مارس 1927..
وفي هذا الاحتفال ألقى "طلعت حرب" خطابًا طويلاً
كان بمثابة رؤيته لصناعة ودور وأهداف السينما!
وكان ذلك
قبل عدة شهور من عرض أول فيلم مصري وهو فيلم "ليلى"...
تحدث "طلعت حرب" قائلا في تلك الليلة:
"كنا نود فى هذه الليلة من ليالى رمضان المبارك التى يحلو فيها السمر
أن تكون الصور التى نستعرضها أمام حضراتكم
عبارة عن رواية من الروايات:
مصرية في موضوعها.. مصرية في أشخاصها.. مصرية في مناظرها..
مصرية في صناعتها..
لولا أننا - أيها السادة - فكرنا منذ الساعة الأولى
من تأسيس هذه الشركة في سنة 1925
أن صناعة السينما واسعة الأطراف..
متعددة النواحي..
وأن الحكمة تقضي علينا بالتدرج فيها..
فنأخذ بالبسيط من عناصرها أولا..
حتى إذا أتقنا صنعه
انتقلنا إلى تركيب مزيج وسط من هذه العناصر
ثم ارتقينا في النهاية إلى وضع الروايات بالصور المتحركة
وعرضها على اللوحة البيضاء - الشاشة –
أمام الناظرين!
ثم يتحدث "طلعت حرب"
عن قوة السينما ورواية السينما فيقول:
"من يوم أن اخترعت السينما فى سنة 1895
والرواية مظهرها الأعظم..
لما يترتب على عرضها أمام الأنظار من اجتذاب الجمهور إليها..
ولا سيما إذا كان أشخاص الرواية ممن يمتازون بالجمال أو بحسن الإيماء!
وكان موضوعها مما تهتز له حواس الناظرين!
ومن أجل الرواية وإقبال الجمهور عليها..
اتسعت صناعة السينما فوجدت مصانع لصنع الأشرطة الخام..
ووجدت مصانع لصنع آلات لأخذ المناظر ولتحميض الأفلام وتلوينها
وتنشيفها وطبعها وترتيب سياقها واختيار ما يشاء اختياره منها..
وتقديم ما يراد تقديمه وتأخير ما يراد تأخيره..
وآلات لقياسها ولفها..
وماكينات لعرضها..
فضلا عن ماكينات أخرى يستحيل حصرها..
حيث الصناعات ناشئة والتقدم فيها سائر بخطى واسعة عاما بعد عام.
ومن أجل الرواية..
ومن أجل إقبال الجمهور عليها..
تكونت طبقات جديدة من الفنانين:
تكون الممثلون وظهر أن الممثل فوق المسرح قد يبرع في التمثيل الناطق
لرنة في صوته..
أو حرارة في إلقائه..
أما في التمثيل الصامت.. في التمثيل بالسينما
فالممثل ينبغي قبل كل شىء أن يكون حسن الإشارة والإيماء..
فبالإشارة وحدها..
الإشارة باليد وخصوصا الإشارة بالعين يتفاضل الممثلون الماهرون بعضهم عن بعض..
ويكون بجوارهم مديرون فنيون بلغت درجات التخصص في أعمالهم حدًا يعرفه الإخصائيون..
ومن أجل الرواية
ومن أجل إقبال الجمهور عليها..
تكونت أحياء كاملة فى جميع بلدان العالم الراقية..
بل تكونت فى أمريكا مدن قائمة بذاتها..
بجبالها ووهادها.. وأنهارها وبحيراتها.. وأشجارها وغاباتها.. وبيوتها وقصورها..
لتجرى فيها حوادث الروايات المراد أخذها بآلة التصوير الخاطفة..
وعملت قوة الخيال على التصرف بموجودات الطبيعة في المكان..
مقرونة بقوة الابتكار فى اختراع وسائط مصطنعة..
سرها عند أهل الفن من رجال السينما..
ترينا إنسانًا طائرًا.. أو ساقطًا من شاهق!
أو خارجًا من انفجار - وهو في كل الحالات سليم لا يمس بأذى!
وكم في هذه الابتكارات من نكات لطيفة وأساليب طريفة
أثارت الاهتمام من أضعف الناس خيالاً..
أو الضحك من أشد الناظرين عبوسًا وأقلهم في الحياة ضحكًا!
ومن أجل الرواية..
ومن أجل إقبال الجمهور عليها
تكونت الشركات لاستغلال عرض الصور المتحركة في دور خاصة بالسينما
تحاكي "دور التمثيل" ولو أنها تختلف عنها في عدم الاحتياج إلى المناظر..
وفي أن أحسن مقاعدها
ما كان منها بعيدا عن اللوحة البيضاء - الشاشة..
وبفضل هذا النظام الدقيق في الغرب..
المبني على التخصص وإتقان كل عامل ما يخصه من عمل..
وبفضل الذوق الذي هو الحجر الأساسي..
في كل عمل فني استطاع القائمون بأمر الروايات أن ينفقوا على الرواية الواحدة عشرين أو أربعين ألف جنيه أو أكثر من ذلك!
لكنهم استطاعوا أن يطبعوا منها بدل النسخة الواحدة عشرات النسخ..
تطوف داخل بلادهم ثم توزع بترتيب محكم من قطر إلى آخر..
حتى لا ينقضى العام الواحد إلا كان أكبر عدد من دور السينما الراقية قد استعرضها على "لوحته البيضاء".
ويمضي طلعت حرب في شرح رؤيته السينمائية فيقول:
"إن الوارد من روايات الغرب كثيرا ما يحوي أشياء لا يصح عرضها على الكبار
سواء بسواء..
لهذا فإننا فكرنا منذ تأسيس شركتنا
ومازلنا نعتقد في أن الخطة المثلى
لمقاومة الفاسد من روايات السينما التي تصل إلينا من الغرب
هو أن تنجح شركتنا في أعمالها المتواضعة التي تزاولها الآن..
ثم تكبر وتقوى حتى تكون قادرة على إخراج روايات مصرية..
ذات موضوعات مصرية وآداب مصرية وجمال مصري..
تكون فى منزلة عالية من الفن تسمح بعرضها في بلادنا..
وفى البلاد الشرقية المجاورة..
وتكون أقرب لعاداتنا وطقوسنا وأحوالنا الاجتماعية من الروايات الأجنبية..
التي تكتظ بها دور السينما في الشرق والتي كثيرا ما تحوى حوادثها ومناظرها ما لا يتفق مع عاداتنا وآدابنا الشرقية!"
ومع أن هذه أمنية من أمنياتنا..
فإننا نسرع فنقول:
"إنه لتعذر إخراج الرواية فى الوقت الحاضر فقد أدركنا عند تأسيس شركتنا أن الرواية التي لا ننكر أهميتها وسلطانها على النفوس غاية من الغايات البعيدة..
تأتي بعد مراحل أخرى ينبغي أن تسبقها ويتحتم علينا قطعها إذا شئنا أن نسير بعملنا في طريق النجاح!
ثم يتحدث "طلعت حرب" عن خطته لعرض الأفلام القصيرة في الخارج قائلا:
"إننا نسعى لربط روابط مع الشركات المشتغلة بالسينما
لعرض أقصى ما يستطاع عرضه
في دور السينما الأجنبية
من صورنا المتحركة التي نصنعها في مصر!
وغرضنا من هذه المساعي في الخارج
هو أن نظهر مصر على حالتها الحقيقية"..
فإنه من العيب الفاضح أن تأتي شركة أجنبية كبيرة من شركات صنع الأشرطة..
ولا تجد في تصوير القاهرة في مجموعة مدن العالم إلا
رسم "رجل حاو" يلعب بثعبان أمام السياح عند مدخل فندق الكونتننتال..
كأن القاهرة ليس فيها غير هذا المنظر لتصويرنا نحن المصريين في عاصمة بلادنا..
ومن العيب الفاضح أن تستمر الدعاية الفاسدة في الخارج
تصورنا في شكل أمة قريبة من حالة الهمجية..
حتى إن بعض السياح الذين اجتمعنا بهم في مؤتمري الملاحة والقطن
أعربوا لنا صراحة أنهم كانوا لا يتصورون مصر كما رأوها..
بل كانوا يتصورونها..
قطعة من شعوب أفريقيا الوسطى!
ومن العيب الفاضح أن يصورنا المغرضون من الأجانب..
في صورة أمة تفتك بها الأمراض ويتعرض السائحون فيها للأوبئة
حتى يمنعوا السياح من زيارة بلادنا..
وشريط الصور المتحركة وحده هو الذي ينبغي استخدامه في الغرب للقضاء على هذه الدعاية الفاسدة!
ومن العيب الفاضح أن يصورنا الأجانب المغرضون في الخارج
من طينة منحطة عن طينة البشرية المتمدينة
وأن نبقى مكتوفي الأيدي لا نعمل شيئًا لإظهار أن المصري متمدين كبقية الشعوب المتمدينة..
وشريط الصور المتحركة وحده هو الذي يتحتم استخدام قوته لإظهار الأمة المصرية في صورتها "الواقعية الصحيحة"!
في سطر واحد لخص "طلعت حرب" الحكاية كلها بقوله:
"السينما أقوى سلاح عصري".
نهاية الخطاب.. ياسادة !!
و... للحكاية بقية
التعليقات