قد يبدو عنوان مقالي ساخرًا.. ولكن تلك ليست نيتي على الإطلاق..
ولكنني أحاول بقدر الإمكان تبسيط الشرح حتى يستوعبه كل قارئ مهما كانت درجة ثقافته ومستوى وعيه الفني والثقافي..
ولكل من يهمه الشأن الفني والثقافي في وطننا العربي أقول: عندما تعي الدولة أهمية دور الفن في سلوك الشعوب وتتخذ القرار "الصعب" في رعاية عقل شعبها يجب أن تدرك أن الأمر لا يتوقف على العمل الدرامي بل هو في واقع الأمر ينتهي عنده!!
ودعوني أشرح سريعًا نظريتي..
عندما يشكو رأس الدولة من انحدار وسوء ما يقدم على شاشات التليفزيون في شهر رمضان -وهي ليست المرة الأولى- فهذا يعنى أن الأمر جلل.
وعندما يكلف السيد رئيس الوزراء بمتابعة هذا الأمر ويقرر بعمل لجنة متخصصة لنجدة هذا الأمر فهذا شيء عظيم ومقدر.
ولكن اسمحوا لي -كمتخصص- أن أقول كلمتي..
الفن الدرامي هو مجمل بل ناتج مجموعة كبيرة جدًا من الفنون..
بداية من الفن التشكيلي- الموسيقى- الشعر- المسرح- الرقص- الأدب- الأدب المقارن- النقد- الترجمة.. الخ
إذن فأي عمل درامي تليفزيوني كان أو سينمائي فهو يعتمد في الأساس على كل تلك الفنون ومدى ازدهارها وتطورها ونموها..
والسؤال العبقري:
أين كل هذه الفنون الآن وإلى ما وصلت إليه؟!
وهنا أصل إلى عنوان مقالي
"طبق السلطة"
فالفن الدرامي هو بمثابة طبق السلطة الكامل والمتكامل وانت تطلب مني الآن أن أقوم بعمل هذا الطبق بأفضل طريقة ومذاق ممكن.
ولكن في الواقع أنا عاجز لأن ليس لدي أي مقومات هذا الطبق
لا يوجد طماطم ولا خيار وخضرة ولا حتى بصل!!!
فكيف لي بتنفيذ طلبك؟
ولذا أنا هنا أؤرخ أمام كل من سيدلون بدلوه في تلك اللجان بحلول عبقرية لنجدة الدراما وقول إن حدث ذلك: "فإنهم إما سحرة أو مشعوذون"!
لأنهم بكل بساطة سيستطيعون عمل طبق السلطة بدون أي مكونات!
أساتذتي وزملائي الأعزاء
أرجو الانتباه!!
"فرأس الدولة" قد حسم الأمر بإعطاء التوجه التام والواضح بالتصرف في الأمر..
وبدوره قام السيد رئيس الوزراء باتخاذ اللازم بتنفيذ القرار..
وهنا يأتي دوركم يا أهل المهنة.. وفرصتكم الذهبية.. لإعادة دور أهم تاريخ في صناعة الثقافة والفنون في المنطقة بل وفي التاريخ
ومن ثم يجب أن نبدأ من جديد.. من البداية..
من الأصل...من الجذور
وذلك عن طريق:
رعاية وازدهار "كافة الفنون"
واكتشاف كل المواهب في كل ربوع مصر
صقل المواهب في الأكاديميات الفنية المصرية
فتح باب البعثات من جديد
رعاية الدولة للإنتاج للمواهب الجديدة
فتح أبواب الإنتاج وتملك الاستوديوهات والمحطات للقطاع الخاص
عودة قطاع الإنتاج كسابق عهده ودوره في مصر والمنطقة العربية..
الاهتمام باللغة العربية- حصة الخط العربي- التربية المنزلية- التربية الدينية
عودة الأعمال الدينية والتاريخية
عودة برامج الأطفال
عودة الأفلام التسجيلية
عودة مسرح العرائس والسيرك القومي والفرقة القومية
عودة مسارح الدولة ومسارح الثقافة الجماهيرية والمسرح المدرسي والمسرح الجامعي
عودة مهرجانات ومسابقات الفن التشكيلي والموسيقى والمعلومات العامة..
عودة برامج التليفزيون الهادفة والممتعة والثقافية..
والأهم استعادة دور:
النقابات الفنية وطرق دعمها وإعادة تنظيم قوانينها وسبل تنفيذها على الأرض
التأمينات والمعاشات
النظر في قوانين الضرائب والتي لا تتماشى إطلاقا مع فنانين هم على باب الله!
إيجاد إدارة شاملة ومتطورة لمنظومة الفنون- كل الفنون- والثقافة والتراث
لأن بدون تلك الإدارات والقوانين المنظمة وتأمين حياة وصحة الفنان والمثقف ذهب كل ما ذكرناه هباء..
وملخص حديثي ببساطة أن الفنون والثقافة والإعلام تشكل "عقل الدولة" وخطتها لشعبها لسنين قادمة
ولذا فالسؤال الأهم؟
ماذا تريد الدولة لتشكيل وعي "عقول شعبها" السنين القادمة؟
ما هي خطتها؟!!
وهذا أهم سؤال قبل إيجاد حل لمشاكل الدراما..
وأخيرًا وليس آخرًا أذكر المثل الذي لطالما رددته للجميع..
أثناء وجود مؤسسة صناعة السينما كان هناك لجنة مكونة من حوالي 22 فرد -على ما أتذكر- كان يقع على عاتقهم اختيار كل ما سوف يتم تغذيته ليس فقط للعقل المصري وإنما كافة العقل العربي..
كانوا يحملون أمانة العقل العربي كله على عاتقهم تحت إرادة الدولة.
اسمحوا لي أن أذكر 3 أسماء منهم فقط "نجيب محفوظ- يحيى حقي- سعد الدين وهبة"!! والباقي كان أعظم..
كلهم عقول نابغة... حرة ومستقلة مثقفة وواعية تعي معنى وأهمية وحساسية دورهم شكلوا فكر وثقافة بل وسلوك مصر والوطن العربي لسنين طويلة.
دون أي "فرض أو توجه شخصي" غير واجبهم ووطنيهم...
تلك مجرد بعض النقاط ذات الأهمية فالأمر يطول..
ولذا أعود وأكرر
إن خرجت تلك اللجان بقرارات لنجدة الدراما أرجو أن يأخذوا في الاعتبار النقاط التي ذكرتها
فالأمر سيستغرق أجيالا لإعادة البناء وليس قرارات من خلال لجنة سريعة!!
وتحتاج إلى متخصصين وليس مجرد مهنيين..
ستحتاج إلى بيوت خبرة ودراسات وأبحاث...
باختصار ستحتاج إلى وقت.. وعلم.. وليس اجتماعات وآراء!!
ولذا يا زملائي الأعزاء
انتهزوا الفرصة فها هي "إرادة الدولة" معكم
فاصنعوا التاريخ من جديد على أسس صحيحة وعلمية..
وها أنا أسجل للتاريخ وأحذر كما حذرت مرارًا من قبل واتهموني بالجنون..
ولا تضيعوا الفرصة
ماذا وإلا.. لن نكون فقط نعيد اختراع العجلة
وإنما سنكون نستبدل مصيبة حالية بكارثة فادحة قادمة لا محالة.. من جديد!!
حفظ الله مصر وحفظ قوتها الناعمة سلاحها "الأول والأبرز"
في الحفاظ على "كيانها.. وعقلها.. وتاريخها.. ومستقبلها".
التعليقات