مهاد للأمر :
هناك مبدعون يمرّون في حياتنا مرور العابرين ، وهناك آخرون يجيئون وقد تهيّأت لهم الرسالة قبل المجيء ، فاتسعت لهم مساحة الروح ، وتهيّأت لهم ذاكرة الوطن لتسكن فيهم قبل أن يسكُنوا فيها .
ومن بين هؤلاء تأتي تجربة الأستاذ رضا سليمان ؛ تجربة لا تُقرأ باعتبارها سيرة مبدعٍ فحسب ، بل بوصفها نموذجًا للإنسان المصري الذي حمل الفن رسالة ، وحمّل الرسالة معنى ، فجعل من الكلمة جذعًا مصريًّا أصيلًا، و جعل من الإذاعة فضاءً للحق والخير والجمال والإبداع الأخاذ .
إن عالم الفنان الرائع الأستاذ رضا سليمان ليس مجرد إنتاج إذاعي أو سردي إبداعي؛ إنه رؤية حضارية تُعيد وصل الإنسان بجذوره ، وتُصالح بين الماضي وروح العصر ، وتمنح الحكاية مقامها الأصيل بوصفها طريقة المصري القديم في تسجيل الحياة ، أوراق البردي .
فهو المخرج الذي يعامل الميكروفون كأداة للبناء الوجداني ، لا كآلة للضجيج الصوتي المؤثر؛ والكاتب الذي يرى الرواية مرآة تكشف المسكوت عنه، وتُضيء المناطق التي يتراكم فيها ظلام الوعي .
ولأن الإبداع عند رضا سليمان ليس مهنة ، بل موقف أخلاقي وثقافي ، فإن حضوره الإعلامي والروائي يتجاوز حدود الحرفة إلى حدود الرسالة الإنسانية .
تجده منحازًا إلى الإنسان البسيط ، إلى القيمة قبل الشهرة ، إلى نور العقل قبل بهرجة القول وزخرفه ، وإلى مصر كما يعرفها في وجدانها العميق ؛ حضارة لا تموت ، وإنسان لا تنطفئ جذوته مهما اشتدّت العواصف .
ولهذا يصبح الحديث عن رضا سليمان حديثًا عن إعادة اكتشاف الإنسان المصري في أجمل تجلياته ؛ إنسان يحمل الطيبة بعمق الحكمة، ويسخر دون أن يَجرح، ويُصلح دون أن يهدم، ويكتب ليُهدي الوعي إلى طريقه المستقيم.
ذلك النموذج الذي يجعلنا نوقن أن الثقافة العربية لا تزال بخير ، ما دام فيها من يعيد للوعي صوته، وللحكاية روحها، وللناس إنسانيتهم.
بهذا المعنى، لا يكون رضا سليمان مجرّد مبدع كبير، بل علامة مضيئة في ممرات الإذاعة المصرية والثقافة المصرية والإبداع الإعلامي ، وفي دروب الرواية والفن ، وفي وجدان كل من آمن أن الكلمة يمكن أن تنقذ وتسعد وتبني الوعي، وأن الفن – حين يُخلص لجوهره – يصبح هو الوطنَ نفسه وهو يتكلّم .
فالمبدع الحق هو الذي يحمل ذاكرة وطنه .
إن الكاتب الروائي والإعلامي رضا سليمان يمثل نموذجًا للمبدع المصري الذي يحمل الوطن في قلبه، ويعيد إنتاجه فنيًا بكل ما فيه من ضوء ووعي وقداسة إنسانية.
ولعلّ مستقبل الثقافة العربية محتاج إلى هذا النمط من المبدعين:
أولئك الذين ننتظر منهم أكثر من نوبل في الأدب وفي الإبداع الإنساني كله.
يشكّل الكاتب الروائي والإعلامي رضا سليمان واحدًا من أبرز الشخصيات الإبداعية المصرية التي حافظت على نقاء الجذر المصري في كل ما كتبت وما قدمت هذه الشخصيات للإذاعة. فهو امتدادٌ طبيعيٌّ لذلك الفنان المصري القديم الذي كان ينقش على جدران المعابد ما يخلّد الوجدان المصري، ويؤكد حضوره القائم على الحق والخير والجمال.
إن حضور هذا الميراث الحضاري في أعماله ليس مجرد استدعاء للماضي؛ بل هو وعيٌ متصل بجوهر الشخصية المصرية وفنها وعلمها وطريقتها الفطرية في صناعة الحياة.
أولًا: رؤية المبدع وبنية الوعي
يذهب رضا سليمان في مشروعه الإبداعي إلى أن الفن الحقيقي هو الذي يشعل الوعي، ويعيد تشكيل المفاهيم باتجاه البناء.
فالكاتب والمخرج الإذاعي عند الأستاذ رضا سليمان ليس مهنة، بل رسالة اجتماعية وتربوية؛ لذلك نجده منحازًا دائمًا:
- للقيمة.
- للإفهام البنّاء.
- لصناعة يقظة معرفية تعيد الإنسان إلى جذوره وإلى وعيه الوطني.
- حتى في أعماله الإذاعية النقدية—مثل برنامجه اليومي الشهير "همسة عتاب"—لا ينجرّ سليمان إلى الصخب أو الهجوم، بل يقدم خطابًا عقلانيًا مهذبًا، يجعل الإذاعة شريكًا فاعلًا مع جهات الدولة في حل مشكلات الناس ومساندة المواطن.
ثانيًا: الإبداع الإذاعي… تواصل الحضارة والحياة
يمتلك رضا سليمان واحدة من أكثر التجارب الإذاعية ثراءً وعمقًا، حيث كتب وأخرج عددًا كبيرًا من البرامج والمسلسلات التي تُعدّ اليوم جزءًا من ذاكرة الإذاعة المصرية .
من أبرز برامجه:
(1. أوراق البردي)
نافذة مصرية أصيلة تربط الماضي الفرعوني بالحاضر المتجدد، وتمزج بين الذاكرة العريقة والامتداد نحو المستقبل.
(2. قطوف الأدب من كلام العرب)
رحلة في روائع التراث العربي، تُعيد تقديم كنوز الأدباء والشعراء بأسلوب يليق بعظمة اللغة.
(3. همسة عتاب)
برنامج نقدي يومي يقدّم لغة إصلاحية رفيعة، بعيدة عن الإهانة ومقرّبة من الضمير العام.
أما مسلسلاته الإذاعية فمنها:
(كليلة ودمنة)
(حول العالم في 200 يوم)
(غريب في بلاد غريبة)
(الرسول في رمضان)
(قناة السويس)
(كوميديا زمبليطة على الخريطة)
(مين ولا مين)
وهي أعمال تجمع بين الحكمة والحكاية، وتمنح المستمع متعة فنية ومعرفية في آن واحد.
ثالثًا: عالمه الروائي… حكايات مصر في لغتها وذاكرتها
يمتلك رضا سليمان قدرة مدهشة على مزج الواقعي بالمتخيل، فهو يكتب بلغة عربية فصيحة رشيقة، لا تصعّب التلقي ولا تتنازل عن جمالها.
من أبرز أعماله الروائية:
1. "ما ريونيت"
نصٌّ يقترب في تقنية السرد من المؤرخ الحكّاء، كاشفًا ما يضمره أهل الشر لمصر، ومحللًا حروب الظل والمخططات العابرة للحدود.
2. "جريمة السابعة مساء"
رواية تتكئ على التشويق البوليسي، لكنها مشبعة برؤية اجتماعية ونفسية.
3. "الهبدولوجي"
كتاب ساخر يذكّر بروح فكري أباظة ويحيى حقي في "كناسة الدكان"، ويقدّم نقدًا اجتماعيًا رشيقًا يفضح عبثيات الواقع.
4. "عمدة عزية المغفلين"
عمل يكشف المجتمع من الداخل، ويعيد بناء السخرية بوصفها أداة مقاومة لا أداة استهزاء.
رابعًا: جماليات الأسلوب وسمات الرؤية
(1. الانحياز لملح الأرض)
يتميّز رضا سليمان بانحياز واضح للبسطاء، "ولاد البلد"، ذلك الجوهر المصري الأصيل .
لا يُقدّمهم كضحايا، بل كحَمَلة للقيم:
الشهامة
الجدعنة
حب البلد
نكران الذات
وإن لجأ أحيانًا إلى السخرية، فهي سخرية من السلوك المرفوض لا من الإنسان نفسه، سخرية تربوية تهدف إلى الإصلاح.
(2. الحكاية بوصفها قطعة من الحياة)
شخصياته تتحرك في عالم قريب، مألوف، نابض بكل ما يعتمل في النفس الإنسانية.
خياله ليس هروبًا من الواقع، بل استعادة أعمق للواقع عبر رؤية فنية تتجاوز المباشر.
3. إدارة دقيقة لفن الحكي
بنية لغوية رصينة.
إدارة حكائية واعية.
إيقاع سردي مرن.
قدرة على التوليد الدلالي.
حس سوسيولوجي ونفسي يضيء المسكوت عنه في التجربة الإنسانية.
خامسًا: مشروعه التنويري ، وعي يبني المستقبل
من أهم ما يميز تجربة رضا سليمان انشغاله بالتنوير، وبصناعة ثقافة معرفية تُعيد الاعتبار للعقل .
قدّم عبر الإذاعة برامج:
[قادة التنوير]
[من يصنع التاريخ]
[أصل الكلام]
وهي برامج تستثمر الماضي لا بوصفه تراثًا جامدًا، بل باعتباره وقودًا معرفيًا للحاضر والمستقبل.
سادسًا: الجوائز والتكريمات
نال رضا سليمان عددًا كبيرًا من الجوائز داخل مصر وخارجها، تقديرًا لتجربته الرائدة، من بينها:
جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان تونس للإعلام العربي
وجوائز أخرى في مهرجانات عربية مرموقة تؤكد قيمة ما قدّم.
هذه الجوائز ليست مجرد احتفال بالمنجز، بل اعتراف بدوره التنويري ومسؤوليته الإبداعية.
خاتمة:
إن الكاتب الروائي والإعلامي رضا سليمان يمثل نموذجًا للمبدع المصري الذي يحمل الوطن في قلبه، ويعيد إنتاجه فنيًا بكل ما فيه من ضوء ووعي وقداسة إنسانية.
ولعلّ مستقبل الثقافة العربية محتاج إلى هذا النمط من المبدعين:
أولئك الذين ننتظر منهم أكثر من نوبل في الأدب وفي الإبداع الإنساني كله.
تحية تقدير لصديق الكلمة الجميلة
رضا سليمان
وتحية لصناع الوعي والجمال في الأدب والإعلام والرحمة بالحق والخير والجمال الأديب إنسان رحيم
اقتبس من كلمات د. مصطفى محمود
رحمه الله (وعلامةُ الإنسانِ الرحيم الهدوء ، والسكينة ، والسماحة ، ورحابةُ الصدر ، والحلم ، والوداعة ، والصبر ، والتريُّث ، ومراجعةُ النفس قبل الاندفاعِ في ردود الأفعال ، وعدمُ التهالكِ على الحظوظِ العاجلة ، والمنافعِ الشخصية ، والتنزُّه عن الغِلّ ، وضبطُ الشهوة ، وطولُ التأمُّل ، وحبُّ الصمت والخلوة فللإنسانِ الرحيم نورٌ من داخلهِ يُؤنسه وهو في حوارٍ دائمٍ مع الحق ، وفي بسطةٍ دائمةٍ مع الخلق .)
ويكون هذا كله بكل رضا ..
وهذا هو رضا بعينه..
التعليقات