المتأمل للكون المهول يصاب أحيانا بشيء يشبه توقف الآلة نتيجة عنف الاستخدام ، كذلك العقل المتدبر للكون يصل لمراحل تؤدي لتوقف آلة التفكير برأسه وذلك نتيجة صعوبة استيعاب ماهية الكون ودواعي توسعه المضطرد بهذا الشكل العجيب ....
كون مترامي الأطراف يحتوي على ملايين المجرات والسواد الأعظم من هذه المجرات لم يكتشف بعد ، و حجم كرتنا الأرضية بالنسبة لهذا الكون كحجم كرة التنس اذا ما قورنت بحجم الشمس ، وبذلك نكون قد جاملنا كرة التنس كثيراً .....
في الكون ومن الكون بالذات وجد بعض العلماء المدخل لمعرفة إن كان هنالك ثمة صانع ومهندس له ، ومنهم ( ستيفن هوكينز) وهو أقدر من تعمق في نظرية الانفجار الكبير ( The big bang )، ورغم إمكانيات عقله التي ناظرها البعض بعقلية أنشتاين إلا أن ستيفن هوكينز أنكر تماما أن يكون هنالك صانع لهذا الكون العملاق وادعى بأن الانفجار العظيم هو من أوجد كل شيء، نتيجة استحاله استيعاب عقله للقوة المسيطرة على الكون ، على العكس من أنشتاين والذي كان متدينا ومؤمن بالمهندس الأوحد للكون ، وهو من العلماء الذين درسوا الكون جيداً و على أساس ذلك وضع أسس النظرية النسبية الخاصة والعامة ، وكان هو أول من تنبأ بوجود موجات الجاذبية التي تحيط بالأجرام السابحة بالفضاء ....
ما يهم هنا هو دراسة نشأة الكون للوصول لوجودنا نحن عليه ، إن كل الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع
تعتمد على الافتراضات والتوقعات المستنبطة من قوانين الفيزياء الكونية فالعلماء يقولون بأن عمر الكون زهاء ١٤ مليار سنة ومنهم من يقول بأن عمر الكون بدقه ١٣.٧ مليار سنة وآخرون يقولون بأن عمرهُ قرابه ١٥ مليار سنة ، لنجد بأن المليون سنة بين ما سمعناه لا تساوي شيئاً وكأنها دقيقة واحدة امام تلك الارقام الفظيعة....
إن هذا الكون اللامتناهي بالصغر واللامتناهي من فرط الكبر يجعلنا أمام حقائق وأكاذيب وأحياناً أساطير وخرافات حيكت هنا وهناك ، لأن العقل البشري لما يزل عاجز عن إدراك ولو حتى دقائق الأمور فيه ، والكثيرون ممن خاضوا غمار ذلك حتماً توقفوا عند أمور أصبحت خارجة عن منظومة عقولهم فأسندوها للمجهول واكتفوا بذلك دون أي تعليل لعجزهم عن تبريرها.
ومن ضمن تلك التساؤلات التي لم يجدوا لها جواباً هي : هل نحن وحيدون بهذا الكون أم أن هنالك من يشاركنا الحياة ؟
خاصة عندما نتحدث عن مليارات المجرات منتشرة ومطرزة بكافة أطراف الكون تحتوي على مليارات المليارات من النجوم والكويزرات والكواكب وما مجرتنا (درب التبانة) سوى مجرة متواضعة أمام غيرها، وبعضها يوجد بها نجم واحد يضارع ربع مساحة مجرتنا .... الأمر قد يصيبك بالصداع ، ولربما تتجاهله كون التخيل هنا يحتاج لخيال !
فالأمر بغايه التعقيد ، شديد الوضوح أحياناً وبنفس الوقت شديد الغموض ....هنالك مقولة لعالم فلكي اسمهُ آرثر سي كلارك Arthur C. Clarke يقول فيها : "يوجد احتمالان.. إما أننا وحدنا في الكون أو لا نكون كذلك، كلاهما مرعب بنفس المقدار "
فعلا إن كلا الأمرين يبعث على الرعب فمجرد أن نكون نحن الحياة الوحيدة في الكون فهذا قمة الرعب كوننا منفردين في وسط لا منتهي من المجرات وسط ظلام المادة العتيمة ، وإن كان هنالك ثمة شركاء لنا فهذا لربما أكثر رعباً ، ما الحال لو اكتشفتنا تلك المخلوقات ، هل ستغزونا وتقضي على الجنس البشري والحيواني على كوكبنا ، هل سنرى حينها فيلم ( يوم الاستقلال) حقيقة وليس مجرد خيال من هوليوود ......
إن نظرية (التخلق اللاحيوي) والتي كانت معتقد سائد لردح طويل من الزمن عن كيفيه نشوء الحياة على كوكب الارض تدعي هذه النظرية بأن الحياة بدأت قبل ٣.٥ مليار عام اي بعد الانفجار العظيم بحوالي عشرة مليارات سنة ، أي أن الأرض لم تصلح للحياة إلا بعد مرور هذه السنوات ، حيث نشأ الأكسجين وتشكلت المياه على هذا الكوكب وبدأت الأحماض النووية بالتفاعل لتنشأ السلاسل الحيوانية والنباتية ، ولتبدأ كل أشكال الحياة أو مساعدات الحياة من ريح ومطر ونار وبركان والقائمة تطول ، واستعمر هذا الكوكب المخلوق الوحيد الذي تطور عقلياً من بين سائر المخلوقات ، والمقصود هو الانسان ، والذي سخر كل ما في الأرض لخدمته ولاستدامة بقائه ، لكن هذا المخلوق والذي ورث الكوكب وتعهد بالحفاظ عليه ، نجدهُ يدمره بنفسه ويسعى لفنائه ... فمنذ أن كان عدد البشر على أصابع اليد وقعت أولى جرائم القتل ومن بعدها نشأت البغضاء والمكائد والحروب .
يقول علماء (الأثنولوجيا) بأنه لم تمر مئة سنة على الأرض منذ وجود الانسان عليها حتى الآن لم تشهد فيها حروب طاحنة ومفنيه للكثير من الناس، أي فعلياً لم يمر قرن على الأرض عم فيه سلام أبداً ..... إن هذا الإنسان هو أكبر مدمر لكوكبه ، ولربما ينجح بالقضاء على جنسه حتى قبل وصول المخلوقات الأخرى له ، ولربما سيقضي على ذاته قبيل أن تتسخر هذه الأرض لأن تكون مهداً لأجناس أخرى غير الجنس البشري لتكوين مستعمراتها فوق سطح الكوكب الأزرق ......
إن المسبار المريخي كيوريوسيتي روفر الذي أوصلته ناسا للمريخ عام ٢٠١٢ وبعد أن تجول في صحاري ورمال المريخ وأرسل للأرض دراسات وصور عن سطح الكوكب الأحمر ، تبين للعلماء والباحثين بأنهُ في الماضي السحيق كانت هنالك ثمة شكل من أشكال الحياة على المريخ وهذه الحياة قد فنيت وانطفئت قبل ملايين السنين ، وتبين لهم من خلال دراسة تضاريس الكوكب بأن الماء كان يوما ما وفير عليه ، و وجود الماء يعني وجود الحياة ، لكن الواقع الحالي للمريخ يقول بأن هذه الحياة قد نضبت منذ ملايين السنين ، أي أن شيئاً ما قد أنهاها ، ليتحول لكوكب قافر شاحب تماما ، وخالٍ من أي أنماط الحياة .... ولربما يكون الجنس الذي استعمره ذاك الوقت هو ذاتهُ من قضى عليه وأفنى مسببات الوجود فيه .....
لو عدنا للوراء لمائتي عام خلت نجد بأن الإنسان لم يتخيل ذلك الوقت أبداً بأنهُ سيخترع القنبلة الذرية ثم النووية ثم الهيدروجينيه وكل هذه الأسلحة اذا استخدمت فإنها قادرة على محو جزء كبير من الحياة ، ومن يدري لعله بعد مائة عام قادمة يخترع الإنسان سلاح يكون قادر تماماً على إيقاف الحياة كلياً على الكوكب الأزرق ، وقد ينتج عن ذلك تبخر البحار وذوبان ثلج القطبين أو ثقب الغلاف الجوي وهنا تنتهي الحياة فوراً ....
من يدري لعل وجودنا على هذا الكوكب هو الوجود الثاني لجنس عاقل يسكن كوكب الأرض بعد أن سكن المريخ قبل ذلك لكنهُ أفنى نفسه بنفسه ، فمُنحنا فرصة أخرى وانتقلنا للعيش على كوكب آخر بتاريخ آخر وصفحة جديدة أخرى ، وليس من الشرط أن نتذكر مثلا بأننا كنا يوما ما هناك ، فقد أسلفت ربما هذه منحة ثانيه لنا على كوكب آخر جديد ... لكن المؤشرات كلها تدل على أننا ذاهبين للقضاء على أنفسنا مجدداً ، حينها لن يكون هنالك ثمة فرصة ثالثه تنتظرنا على كوكب الزهرة بعد فناء الأرض ، وقد تأتي ملايين سنين قادمة وتصل حضارة فضائية لتكتشف كوكبا خامداً رمادياً لا حياة فيه اسمهُ الأرض ، ليجدوا بأن حضارةً ما عاشت هنا ثم انقرضت وليكتشفوا كما اكتشفنا نحن بالمريخ بأن الماء كان وفيراً هنا ....
وما يدريك لعلهم يدركوا بأن صراع الإنسان مع الإنسان هو من قضى عليه وعلى كوكبه ، حينها سينقلبون على ظهورهم من كثرة الضحك والسخريه وستدمع عيونهم من فرط ضحكهم علينا ، وقد يعود مسبارهم الذي اكتشف فضائحنا لكوكبهم ويقول علمائهم لعامتهم : لقد فككنا لغز كوكب الأرض الرمادي الخامد ، واكتشفنا بأن حضارةً ما كانت عليه ثم فنيت ، وتبين لنا بأن سكان هذا الكوكب هم ذاتهم من دمروه وأفنوا وجودهم ، ألم نقل لكم بأنهم كانوا مجموعة من الأغبياء.
سعد وليد بريدي
التعليقات