الدول المتقدمة أو التى على خطى التقدم ومنها بعض الدول العربية بدأت استعداداتها للتعامل مع تأثيرات عصر الذكاء الاصطناعى الذى نعيشه اليوم، تزامنا مع الثورة الصناعية الرابعة التى نعيش بداياتها حاليا. وهناك فرص وتحديات على مستويات عديدة سوف تلامس حياة الناس بجميع شرائحهم بدءا من العمال البسطاء حيث ستختفى العديد من المهن، الى كبار المستثمرين حيث ظهرت مجالات جديدة تعطى عوائد أكثر من التنقيب عن النفط، الأمر الذى يستدعى وضع خططنا الاستثمارية والاقتصادية التعليمية آخذين فى الاعتبار هذا التطور التقنى المذهل.
فى الواقع نحن شئنا أم أبينا قد دخلنا عصر الذكاء الاصطناعى مثل بقية العالم ولكن الفرق فى حجم فاتورة المكاسب والخسائر التى ستكسبها أو تخسرها كل دولة وفقا لدرجة استعدادها للتعامل مع هذا العصر. هذه التطورات التقنية الجديدة تدخل بسرعة وقوة فى حياة الناس وتخلق مفردات جديدة تعبر عنها، وكما دخلت كلمة «جوجلة» لغة الناس للاشارة عن البحث عبر محرك «جوجل»، يتحدث العالم اليوم عن كلمة أو ظاهرة «الأوبرة نسبة الى أوبر Uper التى غيرت عادتنا فى طريقة استخدام المواصلات للتنقل، واختصرت خطوات عديدة لتصبح الخدمة تتحقق بلمسة زر على الهاتف المحمول، باعتبارها نموذجا لخدمات كثيرة ستغير شكل الحياة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى التى تعنى تقليص المسافة والوقت بين طلب الخدمة وتحققها فى العديد من المجالات من خلال ما يعرف بانترنت الأشياء وتقنيات الجيل الجديد من الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد والعملات الافتراضيـة والنانـو تكنولوجـى والبيـو تكنولوجــى وغيرها من التطبيقات. ربما تكون التقلبات التى ستحدث فى سوق العمل هى الهاجس الاكبر للشباب تجاه ذلك العصر، حيث تشير تقديرات الشركات المعنية بالتوظيف إلى أن أكثر من 65% من الطلبة الذين فى مستوى التعليم الأساسى حاليا، لن يجدوا الوظائف الموجودة اليوم عند انتهائهم من الدراسة الجامعية، وستختفى مهارات تقليدية عديدة لمصلحة مهـارات جديدة يتعين اكتسابها لتتناسب مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
وتشير دراسات علمية إلى أنه ستختفى 47% من الوظائف الحالية خلال السنوات المقبلة بسبب الذكاء الاصطناعي، وسيتم استبدال نحو 83% من الحرف ذات الأجور التى لا تتجاوز 20 دولاراً فى الساعة، الأمر الذى يشكل قلقاً لتداعياته على نسبة البطالة، وتفاوت معدلات الدخل بالنسبة للدول التى يمتهن مواطنوها هذه الحرف المهددة بالانقراض.ويتوقع كلاوس شواب، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس، اختفاء 74% من الوظائف مستقبلاً، بسبب الطفرات الكبيرة للذكاء الاصطناعي، وحالة الدمج التى تنتج عنه لكثير من الوظائف، ولكنه يتوقّع ايضا أن يخلق الذكاء الاصطناعى نحو 10 ملايين وظيفة جديدة بحلول 2020. وهناك وظائف سوف يزيد الطلب عليها، من أبزرها: خبير بيانات ومحلل بيانات، والتعاملات الرقمية، والعاملون فى لغات برمجة الذكاء الاصطناعي، وتصنيع السيارات الذاتية القيادة، والتاكسى الطائر، والطائرات من دون طيار، والتعلم الآلي، والتشخيص والعلاج الطبى عن بعد، وتصنيع الروبوتات والإنسان الآلي، وأنظمة الترجمة الآلية، بالإضافة إلى تخصص المحاكاة المعرفية. ومن المتوقع، أن يضيف الذكاء الاصطناعى عام 2030 إلى الناتج المحلى الإجمالى العالمى أكثر من 15 تريليون دولار (10 أضعاف مبيعات النفط عالمياً). على المستوى العربى بدأت بعض الدول خطوات حقيقية لدخول ذلك العصر ومنها دولة الإمارات التى اطلقت استراتيجية حكومية للذكاء الاصطناعي، واستحدثت وزارة الذكاء الاصطناعى ووضعت خططا عديدة منها خطة لتعليم وتدريب مليون عربى على البرمجة فى هذا المجال، وتعزيز التعاون مع الشراكات العالمية لاستقطاب المهارات التى يحتاجها ذلك العصر. أين نحن من كل هذه التطورات؟ لم نسمع على المستوى الرسمى خططا فعلية على مستوى الوزارات المعنية للاستفادة من هذه الفرص، وان كانت هناك جهود أكاديمية وبحثية ومنها توقيع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بروتوكول تعاون مع إحدى الجامعات لإطلاق أول حاضنة أعمال مصرية متخصصة فى مجال الذكاء الاصطناعى تقدم حزمة من الخدمات بجانب الدعم المالى لعدد من الشركات التكنولوجية الناشئة فى هذا المجال، كما قدمت بعض المؤسسات برامج توفر أساسيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية ممارستها، ولكن هذا لا يكفى وإنما نحتاج استراتيجية حكومية لاستخدام الذكاء الاصطناعى مثلما فعلت الإمارات... نريد أن نسمع عن خطط الوزارات والهيئات المعنية بالتخطيط والاقتصاد والاستثمار والتعليم لتطوير برامجها من أجل التعامل مع فرص وتحديات عصر الذكاء الاصطناعي، والا سنظل متفرجين على ذلك العصر أو نكتفى فقط بأن نكون زبائن الأوبرة!.
التعليقات