يحكى أن حاكم دولة من قديم الزمان كان يعانى من أزمات مالية كبيرة، وحاول كثيراً مع مستشاريه أن يحلها ولكن دون جدوى، ومن أحد البنود التى كان يتكفل بها إعطاء معاش شهرى للمسنين فى دولته، وهذا كان يتكلف أموالاً طائلة لأن عددهم كان كبيراً للغاية، وعلى أيامه لم يكن هناك معامل اختبار حديثة لتصنيع الأوبئة، كما حدث فى مجتمعاتنا من بضع سنوات، فأصدر فرمانا متهورا بقتل المسنين جميعاً، وأمر جنوده بسرعة التنفيذ.
وكان هناك شاب يحب أباه جداً فعندما علم بفرمان الحاكم خشىّ أن يصيب أباه مكروها فأدخله فى غرفة سرية تحت مدخل البيت حتى لا ينكشف أمره، ومرت الأيام والشهور والأب العجوز فى مأمن والابن الشاب مستريح لهذه الصيغة ثم علم الملك بالصدفة من جواسيس القصر أن الشاب أخفى أباه كل هذه المدة فقرر الملك أن يختبر الشاب أولاً قبل حبسه وقتل أبيه، فبعث إليه جندياً يقول له إن الملك يريدك أن تأتيه فى الصباح الباكر راكباً ماشياً.
فاحتار الشاب من الأمر لأنه لا يجوز منطقياً وذهب لوالده وقص عليه أمر الملك، فابتسم الأب العجوز وقال لابنه: «أحضر عصا كبيرة واذهب للملك عليها راكباً ماشياً»، وفعل الشاب كما أشار عليه والده العجوز وذهب إلى الملك هكذا، فأعجب الملك بذكائه وقال له: «أيها الشاب اذهب الآن وعد لى فى الصباح لابساً حافياً»، فذهب الشاب وكله حيرة وتساءل كيف له أن يأتى لابساً حافياً، ونزل إلى مخبأ والده العجوز وقص عليه مرة ثانية أمر الملك، فقال له الأب: «يا بنى أعطنى حذاءك»، فأعطاه إياه وقام الأب بنزع الجزء السفلى منه.
وقال له: «البسه هكذا وأنت عند الملك»، ففعل الشاب ما قاله الأب العجوز وذهب إلى الملك على هذا الحال، فتعجب الملك لذكائه وقال له لثالث مرة: «عد إلى بيتك وآتى فى الصباح ومعك عدوك وصديقك»، فرجع إلى بيته وهو لا يعلم ماذا يفعل هذه المرة، وقص على أبيه ما قاله الملك، فابتسم الأب، وقال لابنه: «يا بنى خذ معك زوجتك والكلب واذهب إلى الملك واضرب كل واحد منهما ضربة قوية وانتظر»، فذهب الشاب فى الصباح للملك وجاء أمامه وقام بضرب زوجته ضربة قوية فصرخت، وقال له «ستندم على ما فعلت»، وأخبرت الملك أن زوجها الشاب يخفى والده العجوز فى مخبأ سرى تحت مدخل منزلهما، وتركته يلقى عقابه من الملك وانصرفت إلى حال سبيلها، ثم قام الشاب بضرب الكلب.
فجرى الكلب بعيداً ثم أشار الشاب للكلب مرة ثانية فأتى مسرعاً يطوف حوله فرحاً به، وقال الشاب للملك: «قد فعلت مثلما أمرتنى أيها الحاكم وجئت لك بالعدو والصديق وهذا هو الفرق بين الوفاء والخيانة». فأعجب الملك بحكمة الشاب التى ورثها من أبيه العجور، وأمره أن يأتى فى الصباح ومعه أبوه وقد عفا عنه، وذهب الابن والأب إلى الملك صباحاً فقرر الملك تعيين الأب العجوز مستشاراً له بعد عدة اختبارات، ونجا الشاب من العقوبة والأب من فرمان القتل، وتراجع الملك عن فرمانه معلناً أن حكمة المسنين كنز لا يفنى ولا يعوض، وأن وجودهم ضرورة لرفعة الدولة، ومن خلال خبرتهم الكبيرة يستطيع أن يصل إلى حل كثير من الأزمات عن طريق مشورتهم التى غالباً ستكون أمينة ومخلصة وفى صالح الجميع، هذه المقالة فى حب المسنين، وصحيح أن هناك ديارا كثيرة لرعايتهم لكن لو علمت كل أسرة أهمية وقيمة وجودهم وسط العيلة لما أودعتهم فى دار رعاية، هم ليسوا حملاً ثقيلاً يصعب تحمله بقدر ما هم خبرة طويلة فى الحياة يجب أن تُصان.
التعليقات