حين يكون الصمت آخر ما نملكه
لفت نظري قولٌ شديد الإيجاز، بالغ العمق:
"أول أيام السكوت، آخر أيام المحبة."
للوهلة الأولى، تبدو العبارة كأنها جزء من خواطر عابرة، لكنها، في حقيقتها، تفتح أبوابًا من التأمل في طبقات التجربة الإنسانية، وتحديدًا في لحظات الانطفاء العاطفي التي لا يعلنها أحد، لكنها تحسم كل شيء بصمت.
الصمت... نهاية المحاولة لا نهاية الشعور
الحب لا يموت فجأة. لا ينطفئ كما تُطفأ المصابيح.
بل هو، غالبًا، يمرض طويلًا قبل أن يُدفن.
والصمت ليس علامة على زوال الحب، بل على انتهاء الجهد المبذول للإبقاء عليه حيًّا.
هو مرحلة ما بعد كل محاولات الإيضاح، وبعد كل كلمات العتاب، وبعد كل رسائل "افهمني" التي ضاعت في الفراغ.
الصمت ليس استراحة، بل استقالة وجدانية.
استقالة من دور المنقذ، من دور الطرف الذي يحارب وحده، من دور الذي يُشعل النور كلما انطفأ في قلب الآخر.
بين العتاب والصمت… فرق في التقدير
العتاب، وإن كان مرًّا، يعني أن هناك شيئًا يستحق أن نُقاتل لأجله.
لكن حين نصمت، نكون قد فهمنا أن الحديث لم يعد يُجدي، وأن العتاب لم يعد يُفسَّر على أنه حب، بل يُستقبل كإزعاج، كاتهام، كضعف.
إنها لحظة التحوّل من التوسُّل إلى الكرامة.
فالسكوت ليس دائمًا حكمة... أحيانًا وجع
حين يصمت المحبّ، لا يعني بالضرورة أنه أصبح "أنضج"، أو "أعقل"، أو "أهدأ".
بل قد يعني ببساطة أنه أُنهِك. أن قلبه تعب من أن يُعاد تفسيره، أن يُعاد الدفاع عن نواياه.
الصمت أحيانًا لا يكون اختيارًا، بل الملاذ الوحيد من الاستنزاف.
ماذا بعد الصمت؟
غالبًا ما يُفهم الصمت على أنه راحة.
لكن الحقيقة أنه غالبًا ما يكون علامة النهاية.
الصمت لا يحتاج إلى تفسير، لكنه يعني الكثير لمن يملك حسًّا مرهفًا: يعني أن المحبة ما عادت تُغذّى.أن العلاقة ما عادت قابلة للترميم.وأن القلب، رغم الحب، لم يعد يحتمل المزيد.
ومن هنا t النهاية الحقيقية للعلاقة؟
هي ليست الانفصال.ولا الخيانة.ولا حتى القسوة.
النهاية الحقيقية لأي علاقة تبدأ من أول لحظة يسكت فيها أحدهم عن التعبير.
حين يشعر أن لا أحد يُصغي، ولا أحد يُقدّر، ولا أحد يسأل: "مالك؟"
حينها...
تتحول العلاقة إلى تمثيل.
والوصال إلى عادة.
والمشاعر إلى أرشيف.
"أول أيام السكوت، آخر أيام المحبة"
لأن الحب بلا صوت، حب يحتضر.
ولأننا لا نصمت عن مَن نحب... إلا حين نحبهم أكثر مما ينبغي، ونُجرح أكثر مما نُحتمل.
فامنحوا القلوب المُحبَّة آذانًا حقيقية، لا تؤجِّلوا الفهم، لا تنتظروا الصمت كي تُدركوا أن شيئًا عزيزًا كان يُحتَضَر أمام أعينكم... بهدوء.
التعليقات