سبق أن كتبت فى تلك المساحة أن السينما العربية لن تكتفى بالتمثيل المشرف، قبل ساعات، حققت فلسطين جائزة أفضل إخراج بفيلم (غزة كان يا ما كان) للأخوين طرزان وعرب (ناصر)، المشارك فى قسم (نظرة ما)، سبق أن تناولت كيف أن الشريط السينمائى، الذى تم تصويره قبل مذبحة (غزة) ويتناول أحداثا فى مطلع الألفية، إلا أنه وضع غزة فى العنوان، شاهدنا الإنسان فى نضاله مع الحياة، محطما الصورة الذهنية التقليدية للمناضل (كامل الأوصاف)، تابعناه بلحظات ضعفه، حتى فساد جهاز الشرطة، وهذا ما منح الشريط مصداقيته، ودفعه لاقتناص الجائزة.
قسم (نظرة ما) يعلى من قيمة التجريب، حقق لفلسطين ولنا كعرب جائزة استثنائية، ناهيك أن تصل الرسالة عن حق فلسطين فى الحياة من منصة (كان)، وأن يتعاطف العالم مع قضيتنا، يجب أن نذكر بأن فلسطين هى أكثر دولة عربية لها رصيد (معتبر) من الجوائز فى مهرجان (كان).
بينما مثلا تكتشف أن دولة العراق لم تشارك فى مهرجان (كان)، وتواجدها خافت تماما فى المهرجانت العالمية الكبرى، إلا أنها تقدمت الصفوف، قبل 48 ساعة، حقق الفيلم العراقى (كعكة الرئيس) للمخرج حسن هادي فى أول تجربة روائية طويلة له، وأول أيضا مشاركة رسمية للعراق، الفيلم إنتاج عراقى أمريكى مشترك، وفى قسم (أسبوع المخرجين) تحدد جنسية الفيلم تبعا لجنسية مخرجه، وحسن يعتز بأنه عراقى.
وهكذا وضع الفيلم العراق على أول طريق العالمية، متوجا ذلك بجائزة فى قسم يعتمد أساسا على ذائقة المخرجين فى اختيار الفيلم للتسابق، كما أنه يحتكم إلى الجمهور فى تحديد الفائز، نال (كعكة الرئيس) لقب الأفضل بتصويت الجمهور، وهى الجائزة الوحيدة فى هذا القسم، الكلمة العليا للمتلقى، ومن حقه أن تحمل الجائزة نبضه وذوقه.
الشريط يتناول صدام حسين بعيون الطفلة، المعادل الموضوعى لعيون المخرج، الذى مر بتلك التجربة فى مطلع التسعينيات عندما كان طفلا، ومع الحصار الأمريكى للعراق، كانت خطة صدام ليست توفير السلع الأساسية للمواطن، ولكن الرد على أمريكا يتحقق فقط عندما تقدم لأمريكا رسالة مباشرة، بأن الشعب يتمسك بـ (صدام)، وأن الحصار يزيده إصرارا وقناعة بأن بقاءه فقط يحقق لهم الحماية، ولهذا يجبر الشعب على الاحتفال بعيد ميلاده، وفى العراق، تجد كان كل شىء ممنوعا، ما عدا الحديث عن عيد ميلاد الرئيس، الأطفال فى المدارس هدفهم الأسمى صناعة كعكة عيد ميلاد الرئيس.
يتخلل الفيلم لقطات أرشيفية لعيد ميلاد صدام، بينما الشعب تعوزه أساسيات الحياة، صدام يشعل شمعة فى احتفال أسطورى أشبه بليالى (شهريار)، وكأنه يخرج لسانه لأمريكا حتى تدرك أنه لا يبالى، فهو فى حماية قلوب الملايين تحيطهم مشاعر الحب للزعيم المفدى.
يلتقط المخرج حسن هادي الخيط وينسج فيلما يقطر صدقا، وبهدوء يقول كل شىء.
الأبطال الرئيسيون طفلة وزميلها فى المدرسة والجدة العجوز، التى ترعاها، الأحداث فى منطقة الأهوار يعيشون وكأنهم فى جزيرة منعزلة، المراكب الشراعية وسيلة الانتقال، بدون أى تعمد نتابع صور صدام حسين والهتاف (بالروح بالدم)، يكشف الفيلم كيف أن الفساد يستشرى، بينما الرئيس يعيش متحصنا بزراعة الخوف فى قلوب شعبه، وصوره تملأ الدنيا متمتعا بكامل سعادته وصحته.
تمكن المخرج من الحفاظ على عفوية ممثليه بكل براءة، خاصة الطفلين، لن تجد أى شىء له علاقة بالسياسة، وفضح الديكتاتور، رغم أن الفيلم سياسى بالدرجة الأولى وهدفه فضح الديكتاتور، وتلك هى السينما فى ذروة إبداعها!!.
التعليقات