تكريم المثقفين والرواد هو عرفان لما قدموه نظير إسهاماتهم ودعمهم للحراك الثقافي في وطنهم. ويعتبر لفتة كريمة وتقديرا من المسؤولين لجهودهم، وحق من حقوقهم لجني ثمرة عطائهم، ولمسة وفاء ورسالة محبة تترجم مشاعر الاعتزاز والفخر بما قدموه. وليس بعد وفاتهم بل في حياتهم أيضا، فوقعه أكبر في نفوس المبدعين وذويهم.
ومقياس تحضر الدول هو الاهتمام بالثقافة ومثقفيها وعلمائها بجانب القوة العسكرية والصناعية والزراعية والاقتصادية.
فالدولة التي ترعى مثقفيها، وتهتم بهم، وبمنجزاتهم، تعتبر في مصاف الدول ترسيخا لتاريخها وتحفيزا لمبدعيها وقد شهدت كثير من المنابر الأدبية تكريم أبرز رموز الحركة الثقافيَّة في الممل
لإسهاماتهم في إثراء الوطن عبر مسيرة مليئة بالعطاءات والإنجازات المميزة التي يفخر بها الوطن.
فالثقافة التي تسهم في بناء الإنسان ذات طابع متجدد كونها مستمرة فيما تقدمه من عطاء على المستوى التاريخي وفي الحاضر المعاش والنظرة نحو المستقبل المزدهر؛ فرغم مهمتها في الحفاظ على الهوية والتاريخ والتراث وصحيح العادات والتقاليد وحماية النسق القيمي النبيل للمجتمع.
الثقافة داعمة لكافة وصور السلوكيات الإيجابية التي تساهم في بناء المجتمعات في شتى مجالات الحياة العملية منها والعملية؛ فعبر الثقافة يلبي الإنسان احتياجاته ويصبح قادر على العطاء وبذل ما لديه من جهود في العمل على إعمار وطنه الذي يشعر فيه بالدفء والمحبة والوئام مع مجتمعه.
والإطار الثقافي للفرد يسهم بقوة في تقويمه ويصقل ما لديه من فكرة التقييم الذاتي بما يؤدي لثمرات نراها فيما يقدمه من سلوك محمود سواء في مجال تخصصه أو ما يتبادر من سلوكيات وتصرفات عامة بين جموع الأفراد، وهذا يساعد على أن يستثمر الفرد ما لديه من قدرات في إطار وظيفي ينعكس إيجابا على شتى المناحي الاجتماعية والفكرية، بل وعلى المستوى التنموي بصوره المختلفة.
وتشكل الثقافة الخط الفاصل بين الشعوب؛ فهي المميز فيما يرتبط باللغة والعادة والنظام القيمي والمعتقد، وهذا سر بقاء المجتمعات والشعوب التي تبدو ثقافته في إطار وسياج قوي بفضل حرص منتسبيها في الحفاظ عليها .
وعبر مفردات الثقافة يشعر الفرد بالطمأنينة والتي تتأتى من تفسيرات واضحة البيان تؤكد أن كافة الفنون والأعمال قائمة على جهود متواصلة ومتصلة بين الجميع ولا تتوقف عند مرحلة بعينها، ومن ثم أضحت ماهية الثقافة جامعة بين الماضي والحاضر ومتطلعة إلى المستقبل في صورته الاستشراقية المبهجة للوجدان والقلوب.
ووفق ما يتمخض عن مفردات الثقافة من معايير حاكمة للمجتمع فإن قضية الولاء والانتماء ستظل الأكثر أهمية وتشغل بال الجميع بما فيهم المربين الذين يقع على عاتقهم إخراج أجيال تحافظ على مقدرات الوطن وتصونها وتعمل بمنهجية واضحة على استكمال مراحل البناء والتنمية في صورتها المستدامة.
الثقافة من الممرات الرئيسة للحرية في صورتها المسئولة والتي تكسب الإنسان منا المقدرة على التفكير في أنماطه المختلفة.
والمثقف قادر على أن يقدم أفضل ما لديه، وأنه يمتلك الوعي ليس الثقافي فقط، بل الوعي في أنماطه المختلفة ليصبح قادر على خلق بيئة إيجابية تساعده في أن يحقق أهدافه الخاصة والعامة على السواء.
وللثقافة أدوار رئيسة للمساهمة في بناء الإنسان، حيث تعمل علي نقل المعارف والمعلومات والخبرات التراكمية للمجتمع للأفراد والأجيال المختلفة مما يساعدهم على اكتساب المعرفة والفهم والقدرة على التفكير والتحليل، كما تغرس بهم المبادئ والقيم السائدة في المجتمع كالعدالة والتسامح والمسؤولية.
مما ينعكس على سلوكياتهم وتصرفاتهم، ومن ثم تشكل هوية المجتمع وتنظم علاقات الأفراد فيما بينهم وتحدد التفاعلات الاجتماعية والعادات والتقاليد كما تساعد على تنمية المواهب والقدرات الإبداعية للأفراد وتشجيع التعبير الفني والإبداع في مختلف المجالات،
ويساعد استيعاب هذه الجوانب المختلفة لدور الثقافة في فهم كيفية بناء إنسان متكامل قادر على المساهمة الفعالة في تطوير مجتمعه.
وهنا يجب أن نعي الدور المهم لوزارة الثقافة في المجتمع المصري؛ حيث تعد الشعاع المضيء للفكر والمزود للمعرفة الرصينة والمعضد الله للتاريخ والحضارة؛ فهي منبر خطير تنطلق من مؤسساتها المختلفة الأفكار والابداعات والرؤى التي تستلهم مزيدا من الابتكارات؛ فترعي بقوة مسارات التطوير وتضع الأفراد والمؤسسات على طريق التنافسية والريادة على الصعيدين المحلي والعالمي.
والثقافة التي تهتم ببناء الانسان والتي تسعى لتحديد مسارات الإبداع ووضع لمسات الفن تهتم بالفنون العالية وبصور الثقافة العامة وبالجماهيرية والشعبية والفئوية، وتؤكد عبر آلياتها على التواصل والتكيف مع مفردات ومتغيرات الحياة التي باتت صاخبة؛ لتبدو مظاهرها راقية وجميلة من حيث الشكل والمضمون.
فأهمية تكريم المثقف، فهو يمثل تتويجا لمسيرته الثقافية، واعترافا بأثره ومدى فاعليته على الأفراد والمجتمعات، وتقديرا لجهوده التي لا تنكر، وأقل ما يمكن تقديمه للمثقف أو الفنان هو تكريمه في وطنه أو خارجه.
تكريم المثقف، يعد اعترافا بدوره المهم بكل أشكاله وتنوعاته في إبراز ملامح وتكوين هويته الإنسانية والحضارية وقد يمتد إلى عطائه وإنتاجه.
ولدينا مثقفون كثيرون، لهم إنجازاتهم ومؤلفاتهم التي أثروا بها الساحة الثقافية سواء بإصداراتهم الشعرية منها والروائية والقصصية أو بمؤلفاتهم في فنون الثقافة المختلفة، أو بالعمل الإداري الثقافي. كثير من المثقفين المبدعين كانت لهم بصمة على الساحة الثقافية وأصبح لهم شأن على المستوى المحلي والخارجي.
ومن حق المثقف أن يرى نتاج عمله وتقدير هذا العمل في حياته فهذا يدفعه لمزيد من العطاء وتقديم أعمال أكثر وأجمل وبالتالي سيتطور المشهد الثقافي بأعمال نوعية، ويحرص المثقف على تجويد ما يكتبه فالمثقف يفرح بتكريمه ويشعر بتقدير المجتمع لما قدمه من إبداع وعمل في حياته .
ولعل من الآثار الإيجابية التي قد تحققها هذه التكريمات، مراجعة المؤسسات المعنية بتكريم المثقفين لواجباتها في هذا الجانب، وعدم إخضاع آلية التكريم للآراء الفردية وذلك عبر استحداث جهة في وزارة الثقافة تعمل باحترافية، بحيث لا تغفل المستحقين ولا تجامل سواهم، وتسبق غيرها إلى تكريم أبنائها والاحتفاء بهم.
يأتي تكريم المثقف تتويجا وعرفانا لما بذله من جهود سخية، وما قام به من عمل مخلص في سبيل تنشيط الحركة الثقافية في بلده بإنتاجه الفكري وإبداعاته المتنوعة ثقافيا، والأمل في أن يكون هذا التكريم المستحق دافعا نحو مزيد من العطاء، والأجمل أن يصل هذا التكريم أثناء حياة المثقف وهو في ذروة عطائه.
تكريم المثقفين عامل من العوامل التحفيزية للمثقف ليستمر العطاء حيث إن الإنتاج الثقافي غير ملموس مباشرة من قبل المجتمع، ويأخذ فترات زمنية تطول غالبا وتقصر أحيانا لكي يدرك المجتمع أهمية هذا الإنتاج الفكري الجميل،
التكريم يقدم المثقف إلى المجتمع ويلفت الإنظار إلى إنتاجه الثقافي وهذا التكريم مطلوب ولكن لابد من استخدام آليات حديثة تسهم في تقديم إنتاج المثقف (المحتوى) بصورة أكثر بهجة واستمرارية ويمكن من خلالها أن يمتد التكريم إلى إنتاجه الثقافي؛ وعمل ندوات حوارية معه محليا وخارجيا.
المثقف لاعب أساس في منظومة المجتمع، وصانع للمعرفة أحياناً وموثق لها في أحيان أخرى، ورافد للحركة الفنية والعلمية والسياسية والاجتماعية .
وأنه صاحب حق على المجتمع كما يقع عليه الحق تجاه المجتمع. أما حق المجتمع عليه أن يساهم في الحراك الثقافي من خلال الإنتاج الفني والعلمي وغيره كل في مجاله.
وأما حقه على المجتمع فأن يحظى بالتكريم على إنتاجه ودأبه وعمله الثقافي. متأخراً جداً بعد تخطيهم عمر الإنتاج والتواصل مع المجتمع.
فالغاية السامية لتكريمه تأتي في نشاطه الثقافي وإبداعاته، إن مثل ذلك يساهم في تحفيز المثقف من جهة، ويجعله حاضرا في الذهن المجتمعي بإنجازاته وأعماله من جهة أخرى.
كما تسعى وزارة الثقافة المصرية برعاية د.احمد هنو الأكاديمي الفنان جاهدة إلى تقدير الإسهامات التي يقدمها المثقفون؛والاحتفاء بإنجازات المبدعين انطلاقا من مسؤولياتها تجاه دعم الإنتاج الثقافي المحلي وتمكين المبدعين من مواصلة إبداعهم ومنجزاتهم الثقافية.وفي لفتة هى الأولى من نوعها بل ولم تحدث من أى وزير سابق قام د. أحمد هنو وزير الثقافة بزيارة الفنان محمد منير في بيته لتسليمه جائزة تكريمه في يوم الثقافة بعد ان اعتذر محمد منير عن حضور الحفل المقام بدار الأوبرا وذلك لمرضه.
التعليقات