في مطلع كل عام جديد، تتجلى في محراب الزمن اعظم الدروس، وتنكشف على صفحات الايام أبلغ العبر، حيث تتجسد حكمة الاقدمين أمام عيناي في قولهم: "عاشر يا ابن ادم، مسيرك تفارق".
اقف على عتبة العام، انظر الى صفحته البيضاء بعين تمتزج فيها الحيرة بالأمل والألم. من سيكتب الله لنا لقاءهم في صفحات هذا العام؟ ومن سيطويهم الزمن عن قلوبنا أو ناظرينا قبل انقضائه؟ تمر بنا السنون كقوافل النور، تضيء دربنا بحقيقة ناصعة - أن البقاء للواحد القهار، وأن كل ما سواه الى زوال.
في كل وداع درس، وفي كل فراق حكمة. يعلمنا الزمن بقسوة محسوبة أن العلاقات البشرية كأوراق الخريف - جميلة في حضورها، حتمية السقوط في أوانها. وما هذه الدروس المؤلمة إلا منحة ربانية، تذكرنا بأن الدنيا دار ممر لا دار مقر.
فكم من وجوه كانت بالامس تشرق في سمائنا، واليوم غدت ذكرى تدمي القلوب؟
يا لها من مفارقة عجيبة - أن تكون اقسى الدروس اكثرها نفعا للقلوب! فكلما فارقنا حبيبا، ازددنا يقينا بأن الكمال لله وحده، وأن الخلود من صفاته سبحانه.
درس الزمن الابدي - أن الفراق حقيقة لا مفر منها، لكن جمال الحياة يكمن في حسن العشرة قبل الفراق.
فسبحان من جعل الفراق معلما، والوجع دليلا، والحزن طريقا الى معرفة الحقيقة - أنه لا دائم إلا وجهه الكريم، ولا باق إلا جلاله العظيم
التعليقات