"الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى." هكذا ينص قانون حفظ الطاقة في العلوم المادية من فيزياء وكيمياء وغيرهما. فهل يمكن تطبيق ذلك القانون على النفس البشرية؟ فمن أين تأتي طاقتها؟ هل تفنى؟ أم هل تُستحدث من عدم؟
تبقى النفس البشرية اللغز الأكثر تعقيدًا دائمًا وأبدًا. لم ولن يستطيع أحد التوصل إلى حله مهما طال الزمن؛ لأنه الإعجاز الإلهي الذي أبدعه الله في كل واحد منا على اختلاف، وجعله متغيرًا متجددًا كنعيم الجنة. فلا تقدر على تفسيره أو حتى تخيل مدى تعقيده. ولكن هذا لا يعني الامتناع عن المحاولة؛ فمحاولة استكشاف النفس من التأمل في خلق الله ثم من التعبد له سبحانه وتعالى، فرصة لزيادة يقينك وتقوية إيمانك.
تحيا أيّامًا لا ترغب فيها بالنهوض من السرير، وتحيا أيّامًا تستحرم فيها كل ساعة أضعتها في نوم زائد. تحيا أيّامًا لا تأمل في أكثر من انتهائها، وتحيا أيّامًا ترغب في استغلال كل لحظة فيها بين ضحك ومتعة. يأتي يوم امتحان لا ترغب فيه في فتح كتاب، ويأتي يوم امتحان تذهب إليه بلا نوم بعد ليلة قضيتها في الحفظ والتطبيق. ترى أيّامًا تصبح العبادة فيها ثقيلة، وأيّامًا أخرى تقضيها بين تكبير وتسبيح واستغفار. حتى ظهر تعريف اصطلاحي للأيام الثقال، فأما عن الأيام المارة كالنسمة، فلم يوضع لها اسم، ولا يُسمى إلا العاطل من كل شيء.
هكذا خلقنا الله، وهكذا وجدنا أنفسنا. مؤثرات خارجية ومؤثرات داخلية تربت على كل خد. ولكن ليس من الطبيعي أن نترك أنفسنا ومستقبلنا عرضة للضياع بسبب السقوط تحت سلطة تلك المؤثرات.
فالإنسان هو طبيب نفسه؛ فلا تنتظر أن تعيش عمرك مستقبِلًا كل طاقة سلبية وتعتقد أنه بإمكانك تصفية كل هذا في جلسة أو جلستين عند طبيب نفسي. فالأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. ودائمًا يُقال: "إن الوقاية خير من ألف علاج."
أن تصنع واقيًا بينك وبين أي مؤثر، وليس عازلًا؛ فليس المطلوب البعد عن الحياة. يكفي أن تدخل إلى قلب الحياة وتخرج سليمًا كما دخلت. فالأخبار الحزينة لن تتوقف عن محاولة التسلل إلى داخلك وحمل ثقل حزنها، والأحداث المثيرة للانفعال لن تكف عن الحدوث أبدًا، وعدم مجيء كل شيء كما نتمنى واقع لا مفر من الاعتراف به، والتعرض لفشل بعد فشل دائرة حياة طبيعية لأي نجاح.
فتعلم كيف تتعامل. تعلم كيفية الانتقاء لكل مؤثر إيجابي، فهذا أهلا به، وإقصاء أي مؤثر سلبي، فهذا غير مرحب به أبدًا. وتذكر أن ما يحزنك اليوم لن يهمك غدًا، مثل ذاك الذي عكر صفوك بالأمس ولا تتذكره اليوم. فعلى هذا المنوال تسير الحياة، فتصبح أكثر بساطة ومتعة.
ومع الوقاية، لا ضرر من تلقي جرعة فيتامينات ضرورية لصحة النفس. أن تبحث عما يسعدك وتفعله، وأن تفعله مع من تحب؛ فالوحدة قاتلة لأي فرح. أن تقتنص من الدنيا كل جميل ومريح، فتجلس إلى جواره فيأتيك منه نصيب.
اختر مؤثراتك بنفسك، وامسك أنت زمام أمورك. فقط تخيل الشخص الذي ستصبح عليه إن أصبحت مسيطرًا على حالتك النفسية!
التعليقات