بعض الشفاء لا يرتبط بالمرض قدر ما يرتبط بالحياة.
أريد أن أكون بخير.. أريد من يحبني لما أنا عليه وليس لما استطيع أن امنحه إياه.. وأريد من يمسك بقلبي قبل أن يمسك يداي!
حسنا يا صديقي تلك أمنياتنا المشروعة، كلنا نحتاج الأمان قبل الحب، نطوق لمن يفتقد غيابنا، لمن نشعر أن خبايانا عنده بخير، لمن لا يتجاوزنا مهما كانت الضغوط، وكلنا نبحث عن سندا جميلا لا يميل ولا ينحني.
إن العطاء والخير في أفعالك يمنحانك رضاك عن نفسك، فنحن نعطي لأننا كيانات تستحق هذا الجود ولأن منبتنا كان ولا يزال فيه الخير. أما الحب فهو الغلالة الدافئة التي تُبخِت أيامك.
أكره الزيف في كل شيء، لا أحب رؤوس المواضيع، فالحياة عندي بنايات أُحب التواجد في كل تفاصيلها الجميلة كانت أو المؤلمة.
ربما تلك القناعات أصبحت اليوم من التراث أو الفلكلور، لكني رَبَيت عليها أبنائي، وسأظل أكتب ما حييت عن حسن التواجد في قلوب الآخرين.
أذكر في لمحات طفولتي أني كنت أرى أبي يطعم جدتي كل خميس وجبة الغذاء في فمها.. رحم الله الأحبة.
كان يزورها كل أسبوع رغم أنه كان أستاذا جامعيا وله عيادة خاصة وشديد الانشغال، لكنها كانت بالنسبة له اليد التي أقامته، اليد التي أحبت حياته ونجاحه، اليد التي جعلت منه شخص مختلف واليد التي باركت توفيقه وكل خطواته وكانت تفتخر به في كل المجالس.
جدتي أورثت أبي حنية القلب.. أذكر أنها كانت عندما تحتضنني تناديني "يا بنت الغالي". لا اعرف كيف تذكرت هذا بالرغم مرور أكثر من أربعين عاما لكني اليوم سمعت صوتها في أذني. إن ذكرياتي عن جدتي الجميلة ظلال لكنها كانت كافية لمنحي الأرقى من الأثر الطيب.
وظل حبها الفطري لأبي مزيج من العطاء والامتنان والدعوات التي حفظته حتى وفاته.
هذا ما يفعله أغلب الآباء والأمهات، لكنه يا سيدي الحب الفطري الغير متحكم فيه من حيث العطاء وتدفق المشاعر، ومن له ابن أو ابنة موقن أن قلبه خرج من بين ضلوعه وأصبح يمشي على الأرض، فالله الله في أبنائنا وتين قلوبنا.
تلك اللمحة البسيطة تدل على الحب الذي وضعه الله برحمته في قلوب الوالدين، لكني اليوم أتحدث عن الحب الذي تبنيه يديك وعقلك وروحك وليس حبك الفطري.
الخريف في الحب هو حجة العاجز الجاحد.
الحب يستلزم معجزات تصنعها بنفسك. الله سبحانه وتعالى هو فقط من يقدر أن يأتي في أي وقت بقوم يحبهم ويحبونه، أما نحن فإننا مختبرون بقلوبنا.
كلنا نعيش في الدنيا ولدينا الفرص المتساوية فيها، لكن من بيننا أشخاص يمتلكون قلوب كسولة، فلا تلومن إلا نفسك إذا كان ميراثك من الحب جعلك تحت خط الفقر بمراحل.
كسول القلب … فقير الحب!
أحمد الله أن وهبني قلبا يشعر بالآخرين، وإنها لمِنّة لو تعلمون عظيمة، لكنها لا تكفي أبدا ما لم يرافقها العطاء ونيسا.
كل الحب الذي تبذله بصدق سينتظرك في غد أحبابك، ستجده جالسا في أحد محطات عمرك في أقسى لحظات شدتك ليقول لك إنني أنا عملك الصالح، جئت اليوم لاُربت على كتفيك المتعبين، لقد تناسيت أنك تحتاج مثل الجميع إلى جوار الأمن فأنا اليوم المسرة التي ستدخل في أرواح من أحببت … وكفى بها نعمة، وكفى بها نعمة!
حقيقة نحن نستفيد من لين قلوبنا أكثر من قوتها وشدتها، وإني لأدعو الله أن يكون ميراثي لأبنائي هو قلبي.
صديقي كن المحبة التي ترتضيها لنفسك.
كل الأوقات التي كان يفترض بك أن تقول فيها لا وقلت نعم، كل ما كلفك الصمت، كل حق تنازلت عنه حتى لا تخرج عن دستور تربيتك، كل ما بُهِت فيه، كل المرات التي تأكدت فيها أن فلان لا يحبك ففضلت الانسحاب بهدوء، كل الأيادي الحنونة التي رطبت قلوب الأحبة، كل المرات التي كان لزاما أن تصبح فيها أنت السند وقد كنت تبحث عن عكازك، المسك الذي تركته في يد من صافحت والزهور التي تفتحت في بساتين الغير، وأخيرا والأهم كل هذا الحب الذي كان دستورك الملزم … سيبقى إلى أن تلقى الله أجمل أقدار صنعتها يديك.
أريد أن أكون بخير.. إذا تحدثت من الآن بذلك يجب أن يكون لقلبك عينين حانيتين، وأن تكون سببا يجعل أحدهم يرى النور من خلالك.
إن أجمل ما في الحب أنه يبقيك دائما بخير حتى لو لم تكن بالفعل كذلك، يقينك أن يد الله دوما ستأتي قبل أن تيأس أو تزهد منبعه قرار اتخذته يوما ما بأن يظل الحب ليس وسيلتك للوصول ولكن طريقتك للحياة.
يمكن أن نعيش بسلام تحت مظلة الحب فهو شفاؤك الرشيد ولو زار جسدك المرض، لكن الحياة لا تزور أجساد ناقصة القلب ضالة الهوى؛
الحب هو الزائر الأنيق القادر على إبراء جسدك.
ويستحق قلبي أن يكون بخير!
ليظل البقاء دوما للأوفى قلبا والأكثر حبا والأبقى أثرا..
التعليقات