ما كان يتقبله المجتمع ببساطة قبل نحو ربع قرن، صار الآن يضع تحته أكثر من خط أحمر، بينما من يجهر بالرأى يتلقى زخات نارية من صفعات وضربات وتجاوزات (السوشيال ميديا).
فى لقاء أجرته المذيعة فريال صالح مع فريد شوقى فى مطلع التسعينيات، سألته عن المرأة الجميلة فى حياته، قال لها إنه يحب الجميلات، ولم يكتف بهذا القدر بل أضاف (وانت أولهم)، ولم تكتف فريال صالح أيضا بذاك القدر، وأضافت (على فكرة أنا لن أحذفها فى المونتاج).
هل يجرؤ فنان أن يقول ذلك الآن، وهل تجرؤ مذيعة على إعلان أنها لن تحذفها، سوف يطالب الرأى العام وقتها بتوقيع أقصى أنواع العقوبة على الطرفين، وسوف يضاف إليهما طرف ثالث، وهو الكاتب والمخرج والممثل فايز حلاوة، زوج فريال صالح، الذى لم يحرك ساكنا وكان عليه أن يطلق الرصاص على فريد ويعلن على الهواء طلاقه من فريال بالثلاثة.
كان المجتمع وقتها يدرك أن هناك مساحة فى العلاقات الاجتماعية تسمح بمثل هذه المداعبات التى لا تتجاوز حدود الطرفة والنكتة، ولا أتصور أن الراحلة سهير ترك زوجة فريد وجهت له عند عودته إلى البيت لوما على إعلانه هذا الرأى على الملأ فى فريال صالح.
نعود إلى حديث آخر وبالصدفة مع فريد شوقى أيضا، المذيعة هذه المرة ليلى رستم أجرته فى السبعينيات للتليفزيون اللبنانى.
قالت له معروف أنك تتناول الخمر، لم يعتبره اتهاما عليه أن ينفيه، فقط أوضح أنه لا يسرف (كأس أو كأسين) بعد العشاء، كما أنه يحرص على ألا يحتسى الخمر قبل التصوير، أدرك فريد أن الجانب الشخصى ملكه ولا أحد يراجعه فى تفاصيل حياته ما إذا أكل أو شرب، إلا أن فريد شوقى الممثل هو ملك الناس، وعليه أن يتمتع بكامل تركيزه ولياقته الجسدية والعقلية عندما يذهب للاستوديو، وهكذا حملت الإجابة هذا المعنى، أنا ملتزم فيما يتعلق بعملى، بينما بعيدا عن ذلك هى علاقة خاصة لا تعنى أحدا غيرى.
هل تتذكرون قبل نحو عام عندما سأل عمرو أديب (مو صلاح)، هل يتناول الخمر؟ إجابة لا أحب طعمها، لم يقل إنه لا يقترب منها لأنها محرمة فى الدين الإسلامى، تحدث هنا كإنسان وليس كمسلم، وأكد أنه لا يتعاطاها لأنه لا يحبها.
لم يرض هذا الرأى قطاعا من الجمهور، يريد أن يرى كل شىء من خلال مصفاة اسمها الحلال والحرام، بدون الأخذ فى الاعتبار أن المسلم لا يعيش بمفرده على هذا الكوكب، ولا يشكل الإسلام الأغلبية، رغم أنه أصلا لا يحق للأغلبية فرض آرائهم وعاداتهم على الجميع.
النضوج الفكرى دفع صلاح إلى تلك الإجابات، لا أتصور أنه مثلا قرر أن يحسبها أولا ويختار الإجابة الصحيحة، بقدر ما أشعر بأن تلك هى قناعاته الحقيقية، فقرر أن يعلنها بلا حساب لما يمكن أن تسفر عنه عند المتشددين.
تغير المجتمع الذى لم يعنيه فى السبعينيات أن فريد يتناول أحيانا كأسين، كما أنه فى التسعينيات وافق على أن يغازل فريال صالح على الملأ، افتقدنا المرونة حتى فى تقبل المداعبات، وتلك أراها هى (أم المشاكل)!!.
التعليقات