تطرح قصة "المنزل الأزرق" لكاتبة الأطفال سماح أبو بكر عزت سؤالا مهما وهو: هل من الخطأ أن نهدي أبناءنا أجهزة حديثة ذكية مثل الموبايل يسيئون استخدامها، وفي حالة عدم إهدائهم هذه الأجهزة هل سيشعرون بالغيرة من زملاء أو أصدقاء آخرين يحملون تلك الأجهزة؟
القصة تحذر من خطورة استخدام الأجهزة الحديثة وتطالب بترشيد استخدامها وينهض البناء القصصي على هذه الفرضية، كما أنها توظف مفردات الطبيعة توظيفا جيدا مثل العصافير، وشجيرات الورد، وشجرة البرتقال، إلى جانب كرة القدم المحببة للأطفال. وقد حزنوا جميعا نتيجة إهمال حسام لهم، وتوجهه بكليته إلى جهاز الموبايل بما يحمل من منزل أزرق، والمقصود به عالم الفيس بوك، ولكن نفس المفردات كانت إيجابية ولم تتخلَّ عن صديقها عندما أصيب، وانزلقت قدمه ووقع على الأرض ونصحه الطبيب بالراحة في البيت ثلاثة أيام.
وتلعب عبارة أو سؤال "ماذا حلَّ به الآن؟" دورا مركزيا في القصة، وهو تساؤل يثير الكثير من التعجب والاستنكار إلى جانب الشفقة. ويتكرر السؤال على لسان أكثر من شخصية ما يدل على تجاوب شخصيات القصة سواء الطبيعية أو الإنسانية مع حسام ومتابعتهم له وخوفهم عليه، فهو في النهاية صديق لهم.
لقد تحولت شخصية حسام بسبب امتلاكه هذا الجهاز، وأصبح عابسا لا تعرف البسمة طريقها إلى شفتيه، وأصبح معزولا عن الناس. وهذه رسالة أخرى من الكاتبة بعد أن قامت بتأمل حال الأطفال أو الشباب الصغير الذين يمتلكون هذا الجهاز العجيب ويتوحدون معه، ولا يشعرون بغيره، فوجود هذا الجهاز في حياة حسام كان هو السبب في الإصابة، لأنه كان يمشي مسرعا كي يعود إلى عالمه الأزرق.
ولعل اختيار اللون الأزرق لعالم القصة يتفق تماما مع الفرضيات التي تؤكد أسباب اختيار اللون الأزرق – وليس لونا آخر - مع بداية ظهور متصفحات الإنترنت، حيث كانت إمكانيات شاشات العرض ضعيفة، وكانت الألوان المتاحة شحيحة، وكان المطلوب اختيار لون يسهل تمييزه عن اللون الأسود، مع تجنب اللونين الأخضر والأحمر اللذين سيسببان مشاكل لمن لديهم عمى ألوان، لكون هذه الألوان صاخبة إلى حد كبير. وهو ما يفسر أيضا اختيار مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرج للون الأزرق لشبكته الإجتماعية، لأنه يعاني من عمى الألوان، لهذا لم يتبق غير اللون الأزرق الذي هو اللون الإفتراضي للروابط عبر الإنترنت، ثم اللون البنفسجي الذي تتغير إليه الروابط التي سبق زيارتها.
غير أن أصول استخدام اللون الأزرق على الإنترنت تعود إلى عام 1993 حيث قام تيم بيرنرز لي مخترع شبكة الويب العالمية باستخدامه فى أشياء كثيرة مثل الروابط التشعبية.
ودائما ما كان يسأل الأطفال: "لماذا السماء زرقاء؟"، وتبدَّل السؤال حاليا بـ "لماذا تكون الشاشة فى الكثير من المواقع باللون الأزرق؟"
وقد قام أحد المواقع بنشر أسماء المواقع التي تستخدم اللون الأزرق كلون سائد أو ثانوي، فمثلا "إنستجرام" و"فيسبوك" و"تويتر" و"تمبلر" لونهم أزرق، و"جوجل" أيضا به اللون الأزرق، وشعار "لينكد إن" لونه أزرق.
ويفسر الأمر بأن اللون الأزرق يرتبط بالهدوء والاسترخاء والأمن، فهو لون البحر والسماء، والعلامات التجارية مثل الأدوية والبنوك وشركات التأمين وغيرها تستخدم اللون الأزرق لأنه ينقل أيضا الإحساس بالقدرة والثقة.
لذا أرى أن سماح أبو بكر عزت نجحت في استثمار هذا اللون الأزرق عبر قصتها بل استوحت عنوانها منه "المنزل الأزرق" ولكن السؤال هو لماذا "منزل" وليس كهفا أو محلا أو قصرا .. الخ. وأرى أن "المنزل" هو المكان الشائع حاليا، والمناسب تماما لشخصية الطفل الذي تربى في منزل عصري، فيه كل وسائل الراحة والاستمتاع والترفيه، كما نشعر بذلك من خلال الوصف الذي أجادت الكاتبة استخدامه، لكنها تذكر في بداية قصتها أن المنزل الأزرق – في مقارنته بالمنزل الطبيعي - يسع آلافا من السكان، وهو في الحقيقة يسع ملايين الملايين وليس آلافا من السكان، وفي إحصائية عام 2019 بلغ عدد مستخدمي فيسبوك في العالم 2 بليون و121 مليون مستخدم، منهم 34 مليون مستخدم في مصر فقط.
إن عالم الفيسبوك في قصة "المنزل الأزرق" عالم مشرق إيجابي فيه منفعة ومتعة ما للطفل رغم كل التحذيرات التي تشير إليها الكاتبة، والتي نؤيدها ونوافقها عليها.
نعود إلى مفصلية أساسية في القصة وهي انزلاق حسام على قدمه ووقوعه على الأرض، لأنها نقطة تحول القصة إلى وجهة أخرى. وأعتقد أن العلاج من الإصابة التي مُني بها حسام لم يكن مناسبا، وكنت أرى أن توضع قدمه في جبيرة أو تُجبَّس قدمُه على سبيل المثال بحيث لا يستطيع التحرك كثيرا داخل منزله الطبيعي. والسؤال: هل كان حسام يحمل الجهاز معه أثناء إصابته وانزلاق قدمه، وبالتالي أصيب الجهاز هو الآخر بالعطب؟ هذا الأمر غير واضح في القصة.
إن تعطل الجهاز عن العمل أو عطبه لم يكن له سبب أو مبرر قوي، ولا نستطيع أن نقول إن الجهاز تعطل تعاطفا مع مستخدمه. أعتقد أنه كان لا بد من وجود سبب قوي مقنع للقاريء سواء كان صغيرا أو كبيرا، لتعطل الجهاز عن العمل. وأن يأتي الأب في نهاية القصة بهاتف جديد لابنه بعد كل ما حدث لم يكن مناسبا من وجهة نظري، وكان من الأفضل أن يتركه بلا هاتف مدة معينة كنوع من العقاب الضمني لسوء استخدام الجهاز حتى يتعلم الدرس ويعي كيفية ترشيد استخدام الجهاز.
القصة تواكب التطور العلمي الذي نحياه حاليا، ونجحت الكاتبة في تضفير عالم الطبيعة بعالم التكنولوجيا عن طريقة خلطة إنسانية محببة أجادت فيها استخدام عنصر الوصف وتوظيف البيئية اللغوية المناسبة لسن الطفولة التي تخاطبها عن طريق الراوي الخارجي.
التعليقات