كباحثين في الشأن الإيراني فإننا نجزم أن المرشد علي خامنئي هو صاحب السلطة المطلقة وان رئيس الجمهورية هو أحد الأدوات التنفيذية الايدلوجيات وسياسات خامنئي. وهذا لا يهمش من دور رئيس الجمهورية لأنه بالنهاية يجب أن يكون أداه موثوقة في يد المرشد الأعلى لضمان تنفيذ الأوامر بدقة وتفاني. وقد صنع مقتل رئيس إيران إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان فراغ يشكل صداع في رأس خامنئ. وعليه أن يملأه برجال تحمل نفس الأيديولوجيا المتشددة وفي نفس الوقت هم من أهل الثقة وقد فرضت الأوضاع التي مرت بها إيران العامين الماضيين شرط أخر يجب أن يتوفر في الرئيس القادم لإيران، وهو تمتعه بقبول شعبي ومرونة في تنفيذ أوامر المرشد في ظل ما تعانيه إيران من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية عنيفة، خلفت غضب شعبي ومظاهرات كان آخرها تلك المرتبطة بحادث مقتل مهسا أميني وقد استمرت المظاهرات ثلاثة أشهر متصلة. وهذه هي المعادلة الصعبة أمام خامنئي في تعيين رئيس جديد لإيران.
دلالات مشهد تشييع جثمان الرئيس الإيراني:
لوحظ أنه قبل تشييع جثمان إبراهيم رئيسي بساعة حصل اجتماع للجنة الخبراء الإيرانية والتي تتكون من 88 رجل دين إيراني والمنوط بها اختيار المرشد بعد عقد جلسات من التحكيم. ولكن الملفت في الأمر أن تصريحاتهم كانت بعيدة كل البعد عن حدث جلل وهو تشييع جثمان الرئيس ووزير خارجيته، وكانت أحاديثهم المذاعة منصبة في أزمة غزة وتوجيه الاتهامات والوعيد لإسرائيل. ولربما كان هذا مؤشر قوي على أن نظام المرشد الإيراني لن يغير من أيدلوجياته في التعامل مع الأزمات التي تمر بها إيران داخليا و خارجيا. وأن النظام ما زال مستمر في استعداء الجهات الخارجية والهروب من الأزمات الداخلية والخارجية عبر إلقاء التهم على أطراف دولية في محاولة لصرف أنظار الشعب الإيراني عن ما يعيشه من انتكاسات على كافة الأصعدة وصلت حد سقوط طائرة الرئيس العتيقة وتحطمها بسبب عدم توفر قطع غيار لتحديث الطائرة في ظل ما تعانيه إيران من عقوبات اقتصادية دولية موقعة عليها بسبب سياستها الدولية غير المتزنة ودعمها للميليشيات في خمس عواصم عربية بالإضافة إلى الانتهاكات النووية ومعدلات تخصيب اليورانيوم التي تقترب الآن من حاجز ال 90%. وكذلك امتلاك الصواريخ الباليستية.
ولوحظ أيضا القميص الأبيض الذي إرتداه احمدي نجاد، الرئيس الأسبق لإيران أثناء تشييع جثمان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. في حين كان كل من حوله من الحضور يرتدون قميص الحداد الاسود في إشارة واضحة ان أحمدي نجاد كان يرى أن حكومة إبراهيم رئيسي هي السبب في كل ما وصلت إليه إيران من انهيارات على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني. وان حكومة إبراهيم رئيسي كانت بمثابة عبء على الجمهورية الإيرانية وفشلت فشل ذريع في تنفيذ وعودها للشعب الإيراني وصنع علاقات متزنة مع دول الخارج.
حكومة رئيسي وازدواجية السياسات:
لا يمكن ان ننكر أن الرئيس الإيراني المقتول إبراهيم رئيسي كان رجل يتسم بالخبث والدهاء فقد استطاع أن يحصل على ثقة المرشد خامنئي. ووفق التقارير فقد كان رجل مولع بالمناصب القيادية. وقد استطاع إبراهيم رئيسي الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية بعد أن أثبت للمرشد أنه يحمل نفس أيدلوجيته واتجاهه المتشدد وأن لديه علاقات قوية بالحرس الثوري الإيراني. حتى حصل على تأييد خامنئي الذي كان متحمسا لوجود كل هذه المعايير في شخص موثوق فيه من قبل مجلس الخبراء والمرشد معا. مما جعلهم في زهوه هذا الانتصار يتغافلون عن معيار مهم جدا وهو مدى "مرونة" من يشغل منصب رئيس الجمهورية وان كان مقبولا لدى الشعب.
وقد افتقر إبراهيم رئيسي للمعيار الأخير فلم يحظى بقبول شعبي وقد استخدم سلاح التشدد في قمع شعبه بقوة الأسلحة الخاصة بالحرس الثوري. مما يؤكد أن إبراهيم رئيسي فشل في تحقيق المعادلة الصعبة التي سعى إليها خامنئي وأصبح فيما بعد رئيسي وحكومته يشكلون عبء على المرشد والشعب الإيراني معا. وبدا هذا الفشل واضحا في ازدواجية السياسة لدى إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان. ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه الخارجية الإيرانية عن عقد اتفاقيات تطبيع مع السعودية بوساطة روسية وصينية، كانت تدفع طهران بالأسلحة وشتى أنواع الدعم للحوثي لتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتهديد الأمن القومي السعودي.
ولا يمكن تجاهل أن القوات الدولية في البحر الأحمر والتي اتت لدعم إسرائيل في حرب غزة جاءت بتسهيلات وخدمات قدمتها إيران لحكومة نتنياهو على طبق من ذهب من خلال دعم إيران لتحركات الحوثي التي لم تصب التواجد الإسرائيلي والأمريكي بخدش سواء في البحر الأحمر او التوغل الإسرائيلي داخل رفح الآن. في حين كان الحوثي التابع لإيران قادر على استهداف القواعد الأمريكية والإسرائيلية على الجانب الأخر من البحر الأحمر بدقة عالية.
ازدواجية أخرى في السياسة الإيرانية شاهدناها فيما صرح به مجلس الخبراء الإيراني الذي لم يوجه اتهامات لأمريكا وإسرائيل في مقتل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية حتى الآن. في إشارة إلى أن نظام المرشد بدأ التركيز على أزماته وشؤونه الداخلية. وفي نفس ذات الوقت وجدنا مجلس الخبراء يتوعد إسرائيل والداعمين لها في غزة وشاهدنا تصريحات وزير الخارجية السابق جواد ظريف والتي تتهم أمريكا وإسرائيل في حادث سقوط الطائرة الرئاسية الإيرانية العتيقة بفعل العقوبات الأمريكية على قطاع الطيران الإيراني.
التحديات أمام خامنئي لاختيار الرئيس:
لعل أبرز التحديات التي تواجه إيران هو تعدد المؤسسات الأمنية والعسكرية فيها، فقد انقسمت الشرطة إلى جهاز تابع للدولة وقوات باسيج تابعة للمرشد وانقسم الجيش إلى جهاز تابع للدولة وحرس ثوري يحمي سلطة المرشد وانقسمت الاستخبارات العامة إلى جهاز تابع للجيش الإيراني وجهاز استخبارات اخر تابع للحرس الثوري. فلك ان تتخيل ان كل جهاز سبق ذكره يمثله اثنين من المرشحين للرئاسة بينهما خلافات وانشقاقات صنعها المرشد خامنئي. علما بأن المحافظين الأصوليين المتشددين مسيطرين على المؤسسات التنفيذية والتشريعية في إيران بهدف إحكام القبضة الأمنية على الشعب الإيراني ومؤسسات الدولة. في ظل تهميش واضح للاصلاحيين. رغم ذلك قد يبدو للبعض حالة من الهدوء تسود المشهد الإيراني وكأنه ليس هناك انشقاقات وخلافات بين الإصلاحيين والمحافظين، بل ان الانشقاقات داخل الحزب الواحد. فعلى سبيل المثال سنجد أن المحافظين منقسمين على انفسهم إلى فريقين يعبر عنهما جيل المتشددين التقليدي وجيل المتشددين الجدد وكلاهما يطعن في مدى انتماء الفريق الأخر الايدولوجيا المرشد. بل انهما يتنافسان من الذي سيثبت تشدده المطلق ليفوز برضا المرشد. فعلينا أن لا ننخدع بحالة الهدوء التي تسود المشهد الإيراني الآن او نعتقد أن هناك توافق ما بين المحافظين والاصلاحيين كل ما في الأمر ان حالة الهدوء هذه حدثت بفعل تحكيم القبضة الأمنية على كافه الأطراف والفئات الإيرانية تزامنا مع ما تمر به البلاد من احداث مزلزله.
محافظين متشددين ولكن لطفاء:
في هذا التوقيت الصعب الذي تمر به إيران والذي فرض على خامنئي تعيين رئيس أصولي متشدد من أهل الثقة وفي نفس الوقت لطيف ومرن قادر على استيعاب المشاكل الداخلية والتعامل مع الأزمات الخارجية التي تمر بها إيران.
دون الإنزلاق إلى فكرة تكرار نموذج الرئيس الأسبق محمد خاتمي والذي كان متأثرا بالثقافة الغربية اتجاه الحريات والحقوق وقضايا المرأة في إيران وأعاد فتح السفارات الإيرانية في أوروبا وأعاد هيكلة جهاز الاستخبارات الإيراني بعد عمليات الاغتيالات التي تمت، واعطاء حرية للصحافة والإعلام بما يسير في اتجاه دولة مدنية ديمقراطية معتدلة لا تحكمها أيديولوجيا دينية، ولعل ذلك كان سبب الهجوم عليه من قبل المؤسسات الأمنية الإيرانية وإبعاده عن المشهد السياسي في إيران وهذا يشير لأن هناك دائما سلطة أمنية تحكمها العمائم السوداء لا يمكن ان تخرج عنها في ظل وجود اي رئيس.
هذه المعادلة الصعبة التي يسعى خامنئي إلى تحقيقها في تعيين رئيس إيراني جديد هو من أهل الثقة ويحمل نفس ايدولوجيا المرشد ونفس درجة التشدد ولكن لديه درجة من اللطف والمرونة في التعامل مع الشعب والملفات الخارجية جعلتنا كباحثين نلقي النظر على بعض الشخصيات المرشحة لرئاسة إيران.
جبهه المحافظين لديها قسمين المحافظين التقليديين والجدد. التقليدين على رأسهم قاليباف وهو مرشح لأن يكون رئيس وقد سبق ونجح في إدارة طهران عندما كان يشغل منصب عمده طهران وهو رئيس البرلمان الحالي ورجل لديه قبول شعبي لدى فئه الشباب الإيراني. اما عن المحافظين الجدد فأبرزهم هو رئيس حزب صباح إيران وهو الأكثر تشددا وهو من أشد المعادين لقاليباف. وهنا يبرز الصراع داخل الحزب الواحد. واعتقد ان خامنئي في هذه الحالة سيضطر إلى تفعيل حل وسطي وهو تقسيم السلطة ما بين محافظين جدد ومحافظين تقليديين بحيث يتولى الرئاسة تقليدي متشدد ويحكم السيطرة على المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية.
والتقليدي الأقل تشددا يتولى باقي المهام وهنا يحقق خامنئي المعادلة الصعبة بتعيين رئيس يجمع ما بين الثقه والكفاءة والقليل من المرونة.
ومن المرشحين ايضا لمنصب الرئيس الإيراني هو سعيد جليلي كبير المفوضين النوويين واحد المقربين من علي خامنئي ويحظى بثقته. وكذلك علي لارجاني الرئيس السابق للبرلمان الإيراني وهو محافظ برجماتي لم ينفي رغبته في الرئاسة حتى الآن. وهو شخص متأثر بسياسة حسن روحاني ولكنه مؤمن جدا بان إيران محاط بالأعداء الخارجين.
التعليقات