لماذا رحلت الآنَ عنا، ونحن في أشد الحاجة إليك؟
فالوقت وقتك، والمكان مكانك، ولن يشغله شاعر سواك.
هل تتذكر لقائي بك في فندق سيسل بالإسكندرية بعد أمسيتك الرائعة في مكتبتها التي تجملت للقائك؟
سألتك يومها: أهي المرة الأولى التي تأتي فيها إلى الإسكندرية؟ فأجبتني بأنها الثانية، وكانت الأولى عام 1972 ولم تكن لغرض شعري.
يومها ذكَّرتك بلقائي الأول بك في بغداد عام 1986 في مهرجان المربد، وقت أن كانت بغدادُ بغدادا.
كنتُ قد نشرت دراسة عن قصيدتك "الجسر" في مجلة "إبداع" المصرية، لكنك لم تشاهدها، وطلبت مني أن أرسلها لك على عنوان مجلة "الكرمل" وكتبت لي العنوان بخط يدك. ولم أرسلها. لعلني أفعل الآن بعد رحيلك يا محمود، استجابة لطلب لك عمره ثمانية وثلاثين عاما.
ولكن عندما أعدتُ نشرها في كتابي "جسر درويش ووصايا أمل" التقيتك هنا في الإسكندرية، وأهديتك أكثر من نسخة من الكتاب.
وعندما قارب لقاؤنا على الانتهاء، وكنت في صحبة الصديق الشاعر أحمد الشهاوي، عانقتك بحرارة، فبادلتني العناق والمودة، وافترقنا لألتقي ثانية بقصائدك ودواوينك المتتابعة، وأتسقط أخبارك وأخبار أسفارك وأشعارك، وأتصفح موقعك على الإنترنت الذي فوجئت بأنك نشرت به تغطيتي الصحفية لأمسيتك الشعرية في مكتبة الإسكندرية نقلا عن "ميدل إيست أونلاين".
عندما ذكرت لك أننا في العمل نحتفي بأعياد ميلادنا ونطلب من المحتفى به تحديد نوع الهدية التي يريدها، وأنه في عام 1983 طلبت من الزملاء أن تكون هديتي "الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر محمود درويش"، تعجبت وابتسمت وفرحت بذلك.
ليتي أستطيع الآن أن أمنحك ابتسامة جديدة، وفرحة جديدة، وعمرا جديدا، وورودا أكثر.
شكرا للراحل الكبير رجاء النقاش لأنه أول من عرَّفني بك عن طريق كتابه الذي قرأته في بداية رحلتي الأدبية "محمود درويش شاعر الأرض المحتلة" والذي مازلت احتفظ به في مكتبتي حتى الآن، أشمك فيه وأشم فلسطين والأرض السليبة.
شكرا للناقد الكبير د. عبدالقادر القط الذي نشر دراستي عن "الجسر" مع النص الكامل للقصيدة، ولم أكن قد أرسلته مع الدراسة، ولكنه اتصل بي ليخبرني أنه صوَّر القصيدة من أحد دواوينك لتنشر مع الدراسة، فخجلت من نفسي، فقد كان ينبغي أن أقوم أنا بذلك.
وفوجئت عند النشر أن د. القط نشر القصيدة من طبعة أخرى غير طبعة الديوان الذي عندي، وكان هناك اختلاف طفيف بين النصين، لم يؤثر على سير الدراسة.
أشكر أيضا صديق الشاعر مختار عيسى الذي كان مسئولا عن تحرير مجلة تصدر في مدينة المحلة الكبرى بعنوان "الساحة" ونشر في أول أعدادها دراستي عن قصيدتك الرائعة "كتابة على ضوء بندقية".
هكذا أنت يا محمود تُجمِّع الناس على محبتك ومحبة شعرك، فيجتمع الناس على ذكرك وذكر قصائدك ودواوينك ويغوصون فيها وفي أعماقها الإنسانية، فأنت شاعر الإنسانية المضطهدة والمعذبة والمؤرقة والحالمة بالحرية وبغد أفضل وأجمل، وشاعر الأرض التي لم تزل محتلة، وشاعر الزمان والمكان.
ومادامت في الأرض بقعة أرض محتلة، فأنت شاعرها، وعندما تتحرر تلك البقعة من مغتصبيها، فأنت أيضا شاعرها، لأنك شاعر الحرية والحق والخير والجمال.
التعليقات