أخوض هذه الأيام صراعاً مريراً وشاقاً ضد نفسي، التي بقيت أسميها حتى أمد قصير نفسي الأمّارة بالسوء. ولم أكن بظالمة لها بهذه التسمية، فهي لم تنفك تأمرني بإضاعة الوقت الثمين في توافه الأمور، وتشير علي بالتسويف والتأجيل. وحتى إذا ما قاومتها يوماً، كانت تبتدع لي شتى المواقف حتى تلوي ذراعي وتمنعني عن الإقدام على خطوة جديدة.
وإليكم مثالاً حديثاً من واقع الحال، فقد اكتشفت يا أعزائي أني قد سجلت في برنامج تدريبي لرواد الأعمال منذ سنتين. نعم، أنا أعرف أني قد سجلت في البرنامج التدريبي، لكن لحظة الإدراك المريرة هي أنه قد مر عامان كاملان منذ سجلت في البرنامج دون أن أكمله لغاية الآن!
"أوه ماي غاد".. لهذه الدرجة!
على العموم، قررت بعد لحظة الإدراك هذه استدراك ما فاتني. استجمعت شجاعتي ورفعت معنوياتي وفتحت اللابتوب وشغلت أول فيديو في سلسلة فيديوهات التدريب. فهل تركتني نفسي الأمارة بالسوء لأخطي هذه الخطوة المفصلية؟ لا طبعاً، فقد داهمني شعور قاتل بالجوع.. بعد ذلك، شعرت بحاجة ملحة لأكلم والدتي، ثم أختي.. تلا ذلك رغبة عارمة بمعرفة أخبار حساباتي على السوشيال ميديا، والبحث بين التعليقات على آخر فيديو لي على التيكتوك.. وكانت القاضية حينما أدركت أن الوقت كله ضاع، وأن الأولاد على وشك العودة من المدارس ولا بد من إعداد وجبة الغداء لهم. طار اليوم كله في الصراع المتعب..(هل مررت بموقف مشابه من قبل؟)
ألا تستحق نفسي إذن هذا اللقب "نفسي الأمارة بالسوء"؟
على أية حال، أنا لست غاضبة من نفسي هذه لأنها جعلتني أخوض هذا الصراع. بل أجده في الواقع طريفاً.. أنا أعرف الآن- بعد سنوات طويلة من الدراسة والممارسة والخبرة في مجال البرمجة اللغوية العصبية التحويلية، أن كل هذه "الحركات" لا هدف لها سوى حمايتي. أي نعم، حمايتي من التعب والإرهاق والابتعاد عن أولادي وأهلي فيما لو توسع نطاق عملي وازداد عدد المسترشدين بي أكثر. إن عقلي الباطن قد سجل حالات مشابهة في الماضي، واحتفظ في مكان أمين بكل مشاعري التي وسمت تلك الفترة من حياتي فهل يتركني أعيد التجربة السلبية نفسها؟
طبعاً لا. هذه مهمته أصلاً.. أن يحميني مني.
إنها "نعمة" البرمجة اللاشعورية يا سادة! صحيح أن الشخص يعاني وهو يصارع نفسه من أجل التغلب على التسويف والتأجيل اللذين يعيقان تطوره وتقدمه في الحياة. فلا شك أن الكثيرين قد جربوا عبثاً الإقلاع عن التدخين، أو تخفيف الوزن كأبسط مثال؛ لكن في العمق إن ما يجري ليس سوى برنامج- شبيه ببرامج الكمبيوتر- يعمل في الغرف الخلفية لعقلنا.. بصمت وهدوء.. لكن بفاعلية.
إذن هو برنامج، فلماذا لا أستطيع التخلص منه بسهولة- ولا حتى بصعوبة؟
بكل بساطة، عقلنا ليس مثل الجوال ولا التلفزيون الحديث. أقصد، هو ليس قادراً على تحديث نفسه بنفسه. والسبب هو أن هذه البرامج اللاشعورية وُجدت من أجل حمايتنا من أشياء معينة. أشياء تبرمجت في أعماقنا على أنها مصدر تهديد لأماننا، أو لوجودنا ذاته في هذه الحياة، فكيف نريد لها إذن أن تتغير من تلقاء نفسها؟ لا يمكن!
هذه البرمجيات هي كما ذكرت تعمل في الغرف الخلفية، أي أنها مختبئة تحت حاجز الوعي. وبالتالي حتى تتمكن من تعديلها أو تبديلها، لابد من إخراجها من حيز اللاوعي إلى حيز الوعي. وهذا بالضبط ما نفعله في جلسات التشافي من خلال تقنيات مجربة للتغلب على مناورات العقل ولإعادة برمجة العقل اللاواعي.
وعندما يتم ذلك، وتترسخ البرمجيات الجديدة، لن يكون هناك صراع ضد نفسك بعد الآن.. بمعنى أنك لن تصارع حارسك الشخصي الذي وكلته بمهمة حراستك. ألم أقل لكم إن الموضوع يصبح طريفاً عندما تفهمه
التعليقات