قد تصبح شيخا مخضرما محنكا ذا رأي صائب ورؤية ثاقبة وأنت في ريعان شبابك، إما بتوالي الأزمات والصدمات وتنامي الوعى واكتساب الخبرات.
وقد تُحصل ذلك بطريق أبسط وأوقع لكنه أنجع وأنفع فقط إن قمت بقراءة التاريخ واستيعاب دروسه واستنباط الحكم والعبَر والعظات من وقائعه وأحداثه، تستلهم منه ما تُسقطه على واقعك جيدًا كان أم سيئًا فتعيده إلى الحياة واقعا مشرقا.
يخطئ من يعتقد أن التاريخ مجرد سرد لقصص الماضي المنقضي للاطلاع او التسلية التي تستهلك الوقت والجهد فيما لا طائل منه ذلك أنه قيَّم التاريخ من منظور قارئ لا يجيد الربط بين أحداث الماضي والحاضر فعمى عليه المستقبل وجهل السبيل إلى التطوير.
من يتصدى للتاريخ انما يهتم بتوثيق حاضرا يعيشه رأى فيه فائدة للأجيال القادمة لتعي تجارب السابقين ولا تكرر أخطاء الماضي وهي غايات محمودة وأهداف منشودة.
ولعل مقولة "التاريخ يعيد نفسه" منشؤها ينبع من عدم اهتمامنا بمسببات الأحداث ومآلاتها، وقد فطن أعداء الحضارات ممن لا جذور لهم إلى هذه الخصلة فينا فكرسوا في نفوسنا نبذ الماضي والسخرية منه على أنه قديم بالٍ لا يليق بنا تكراره بمفهوم حداثتهم الكاذب، في الوقت الذي يعلون فيه من هذٍه القيم لديهم بغية خلق تاريخ زائف يقوي جذورهم الواهية، ويدعي لهم أصولا لا وجود لها، في الوقت الذي انسلخنا نحن عن تاريخنا وتخلينا عن قيمنا وموروثاتنا بعقول مغيبة وهوية مذبذبة.
وليس أصدق من المنهج الرباني الأجلّ حين قال عز وجل: "لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الالباب" يوسف ١١١.
فلنقتدي بالصالحين ونتعلم من تجارب السابقين. نتمسك بجذورنا وننظر إلى المستقبل بعين واعية قادرة على الاستفادة مما مضى.
فالتاريخ هو إرث الأجداد، الكنز المدفون في الأعماق. المخبأ في غياهب الحقب، المدون في بطون الكتب.
وما علينا إلا أن ننفض عنه غبار الأزمان المتعاقبة، ونتناوله بالبحث الهادئ والدراسة المتأنية فيتبدى لنا ما كمُن من أسراره وتنير دروبنا مُثله وأمثاله وأفكاره.
فنستخلص من مُر المِحن حلو المِنن.
والتاريخ نحات بارع يشكل الوجدان ويحفر في كياناتنا آثار النضج والمثابرة للتعامل الراقي مع الصعوبات والمتغيرات، به نعيش تجانس الماضي مع الحاضر والمستقبل.
بالتاريخ نعيش الحياة..
التعليقات