قبل عام، في دبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، احتفت الجمعية الإماراتية للكتاب والقراء بالمترجم الهندي الدكتور ذاكر حسين بمناسبة صدور كتابه الشعري الذي عرّبه للشاعر التاميلي سوبرامانيا بهاراتي (1882-1921).
الترجمة ترصد في مقدمة المترجم سيرة سوبرامانيا بهاراتي الذي كان شاعرا تاميليا عظيما ومناضلا من أجل استقلال الوطن؛ كما كان بالمثل رائدا في الشعر التاميلي الحديث، بل ويعتبر أعظم الشخصيات الأدبية التاميلية في كل العصور. وكان يعرف بماهاكافي – الشاعر العظيم – لقصائده الرائعة. وقد كتب بهاراتي خلال حياته القصيرة (39 عاما) مئات القصائد وبعض الملاحم الشعرية التي تتصف بالحماسة الوطنية، فحاز الاحترام عن جدارة كشاعر الهند الوطني ورمز الوحدة الثقافية والأخوة العالمية.
تكمن المكانة الفريدة لهذا الشاعر الفذ في رؤيته العالمية التي لا مثيل لها، فلم تتوقف كتابته على بلده فقط بل امتدت لتشمل قصائد ممتازة ومقالات تثقيفية عن عدة دول مثل بورما وجزر فيجي وجنوب إفريقيا والصين واليابان وروسيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وإنجلترا وأيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وتركيا ومصر وأفغانستان وغيرها.
ولد بهاراتي في 11 ديسمبر 1882 في قرية إتايابورام، من منطقة تيرونالفيلي، بولاية تاميل نادو، الهند لأبوين “شينا سامي آيار” و”لاكشمي آمّال” وسمياه بـ سوبراماني. فقد بهاراتي أمه وهو في الخامسة من عمره. وتلقى تعليمه المبكر في كلية “الهند” بتيرونالفيلي. وبدأ كتابة القصائد في سن السابعة. وفاز في مسابقة المناظرة التي شارك فيها ملك “إيتايابورام” وذلك حين بلغ الحادية عشرة. ولقّبه الملك بـ “بهاراتي” وكانت هذه لحظة لا تنسى في حياته.
وفي عام 1897 تزوج بهاراتي في سن الرابعة عشرة من شيلاما التي كانت تبلغ من العمر سبع سنوات. وبعد وفاة والده في 1898 ذهب بهاراتي إلى بيت عمته بـ “فاراناسي” وأكمل تعليمه الثانوي في جامعة فاراناسي وتعلم اللغة السنسكريتية والهندية. كان بهاراتي بارعًا في حوالي 14 لغة، بما في ذلك 3 لغات أجنبية غير هندية. وحين عاد إلى إيتايابورام في 1902 أصبح شاعر البلاط لبضع سنوات. وكان يعلّم اللغة التاميلية في مدرسة “سيدوبادي” الثانوية بـ “مادوراي” لثلاثة شهور من أغسطس إلى نوفمبر 1904 .
قضى بهاراتي عدة سنوات في مجال الصحافة؛ فانضم كمحرر مساعد في صحيفة “سوديسا ميتران” وهي صحيفة يومية تاميلية وذلك في نوفمبر 1904. وعمل كصحفي مع العديد من الصحف، بما في ذلك “الهند” و”بالا باهاراتا” و “كارما يوغي” و “سوريودايام”.
وقد كتب بهاراتي عن مواضيع متنوعة مثل القومية الهندية ومجد اللغة التاميلية والحب والأخوة والفلسفة والأطفال والمرأة والطبيعة وغيرها. وحارب من أجل ترقية طبقة “الداليت” والمسلمين وحارب ضد النظام الطبقي في المجتمع الهندوسي. وتضمنت أعماله العديدة الأغاني النارية التي أشعلت حب الوطن خلال حركة الاستقلال الهندية .
لا يُحتفل بالشاعر بهاراتي فقط باعتباره الشاعر الوطني للهند، ولكنه لا يزال في صفحات التاريخ باعتباره الشاعر العالمي. لم يغن أو يكتب أحد من قبله أو من بعده بأي لغة عن صراعات وأزمات ومحن الناس في جميع أنحاء العالم. حتى في فجر القرن الماضي وعلى الرغم من العيش في ظل ظروف معادية من الفقر المدقع في الزاوية الجنوبية لبلد تحت حكم صاحب سيادة أجنبية، وبالإضافة إلى كتابة قصائد ومقالات نارية تتصدر قضية النضال من أجل الحرية في بلده، فقد كتب على نطاق واسع عن العديد من الأحداث المهمة التي كانت تحدث في بلدان أخرى أيضًا.
في عام 1906 كتب مقالاً عن الهجوم الإرهابي بإلقاء قنبلة على موكب زفاف ألفونسو الثالث عشر، ملك إسبانيا حينها. وكتب مقالاً عن مصطفى كمال باشا وأفكاره الثورية، حتى قبل أن يصبح كمال باشا أتاتورك تركيا. وكما كتب عن تمرد التونغو في بورما.
في عام 1908 صوَّر في بيت شعر عَهد “مازيني” ورفاقه أبناء “إيطاليا الشابة” وهي منظمة ثورية. وفي عام 1915كتب قصيدة رائعة امتدح فيها بلجيكا على شجاعتها وعزيمتها الأخلاقية رغم هزيمتها في معركة “فلاندرز”. وفي عام 1917كتب البيت الخالد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأدب والذي أشاد بالثورة في روسيا. كما كتب أغنية جياشة العاطفة عن الحالة المزرية للعاملات في حقول قصب السكر في جزر فيجي، وكتب عن شعراء لغات أخرى مثل “شيلي” و”إليوت” وحتى عن قصائد الهايكو اليابانية.
كتب بهاراتي عن محاضر جلسات البرلمان الروسي والبريطاني، وعن إصلاحات السجون في الولايات المتحدة الأمريكية، وعن أميرأفغانستان، وعن حالة الفتيات الصغيرات في الصين، وعن الفصل العنصري في “ترانسوال” في جنوب أفريقيا، وغيرها الكثير.
حياة بهاراتي كانت قصيرة، فقد توفي في 11 سبتمبر 1921 عن عمر ناهز 39 عاماً. واحتفلت الهند بالذكرى المئوية لوفاة الشاعر العظيم بهاراتي للاعتراف عالميًا بالمساهمات الكبيرة التي قدمها لأجل صياغة ودعم الوحدة الثقافية ومبدأ التعايش السلمي العالمي.
وفي هذه المناسبة، أتشرف بإصدار هذا الديوان. واخترت لذلك خمسا وعشرين قصيدة من مجموعة بهاراتي الشعرية التي رتبها ترتيبا زمنيا ونشرها “سيني فيسوفانادان” فله الشكر الجزيل وقد بذلت جهودي في صوغ هذه الترجمة صوغا عربيا حسنا، فأتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى الشاعر الجليل أشرف أبي اليزيد الذي ساعدني في إنجاز هذه الترجمة وإعداد كلمة التحقيق الرائعة خلال فترة وجيزة وأشكر دار غالاكسي للنشر والتوزيع على نشر هذا الكتاب بأحسن وجه وكما أشكر الأخ أحمد ناصر وكل من ساهمني في هذا العمل، فجزاهم الله أحسن الجزاء.
في تحريري للكتاب، كتبت كلمة تقديمية بعنوان “جبرتي التّاميل يتأمل العالم شعرًا”: قلت فيها: لا يغفل قاريء للتاريخ في مصر عن منجز عبد الرحمن الجبرتي (1753 – 1825) ذلك المؤرخ المصري الذي عاصر الحملة الفرنسية فوثّقها في تاريخه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، بما جعله مرجعا لحقبته. لذا صرنا إذا صادفنا من يماثله لقبناه بالجبرتي.
ومن سيرته الموجزة، والوضّاءة، التي قدّمها الدكتور ذاكر حسين، أكاد أجزم أن الشاعر سوبرامانيا بهاراتي (1882-1921) هو جبرتي الثقافة التاميلية؛ فقد تأمّل من بقعته النائية في وسط آسيا والهند أقطار العالم بشمولية نادرة، وكأنه كان وكالة أنباء أدبية تمثل صدى لكل ما يجري في أرجاء المعمورة.
والواقع أن الشعراء في زمان سوبرامانيا بهاراتي اعتقدوا أنهم صوت أمتهم ولسان تاريخها، ولذلك حين نأخذ مجايله في مصر أحمد شوقي (1868 – 1932)، سنجد ذلك أيضا، حيث علق أمير الشعراء على الأحداث الداخلية والخارجية ونظم القصائد لأعلام زمانه وحوادثه
هكذا سجّل الشاعر التاميليه تقاريره الشعرية البليغة، دون أن ينسى أنه جبرتي يوثق أسماء الأغنيات التي نصغي إليها، والرقصات التي نحاكي إيقاعاتها، ويُعرفنا على عوالم الورود التي نشمها، والطيور التي نراقبها على الأرض وفي السماء، وينقل لنا رائحة الطعام على النار، فهو شاعر الحواس الخمس بامتياز.
إلا أنني حين قرأت قصائد سوبرامانيا بهاراتي وجدت عوالم جديدة، خارج التجربة الجبرتية، تنظر للطبيعة بعين المحب، وكأنه راهب في محرابها. كما أن المختارات التي قدمها المترجم لتكون عنوانا لتجربة سوبرامانيا بهاراتي وقفت على نحو كبير في صف المرأة وحقوقها، أما وأختا، وزوجة، ومناضلة، حتى أنه لم ينس تدبيج قصيدة يحيي فيها جهد عاملة المنزل.
أستطيع الزعم بذلك الوعي الكوني لدى الشاعر التاميلي، وهو مشاركة العالم أفراحه وأتراحه، مثلما يعلو لديه الحس المجتمعي بالعدل، والأخلاق، وكثير من المفاهيم الإيجابية الخاصة بالتنشئة. إنه الشاعر المقاوم بالكلمة، الذي يشعر بأن دوره يتجاوز الكتابة إلى التثوير وإذكاء روح المقاومة، وإن أناشيده لتصلح أن تكون بيانات ثورية للعمل والعمال، والبشرية كلها:
أنتم يا من تحمّون الحديد وتصهرونه
أنتم يا من تصنعون الآلات
أنتم يا من تعصرون قصب السكر
أنتم يا من تغوصون في البحار بحثًاً عن محار اللؤلؤ
أنتم يا من تتصببون عرقًا في ألف صنعة
أنا أثني عليكم أمجّدكم جميعاً
أنتم من تقومون بعمل “براهما” على الأرض. “
سيرة المترجم
الدكتور ذاكر حسين (1971) هو رئيس قسم اللغة العربية بجامعة مدراس، تشناي، الهند. حصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة مدراس عام 1998 وشهادة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 2005. وهو مهتم بالآداب وترجمتها بين العربية والتاميلية؛ لذا ترجم العديد من المؤلفات العربية إلى التاميلية ومن ضمنها أشعار مختارة لمحمود درويش ونزار قباني وقصص مختارة لإحسان عبد القدوس. وقام الدكتور ذاكر حسين بتعريب قصيدة “تروكرل” التاميلية القديمة وآتيشودي لآفايار وحصلت بعض ترجماته على جوائز وتكريمات. ومنها جائزة “أفضل مترجم لعام 2016” لحكومة تاميل نادو. ويتمتع الدكتور ذاكر حسين بعضوية العديد من اللجان العلمية والأكاديمية في اللغة العربية في الهند وخارجها.
مؤخرا، ترجم الدكتور ذاكر حسين، مختارات الشاعر الفلسطيني محمود درويش من العربية إلى التاميل ، وأقيم حفل إطلاق كتاب قصائد محمود درويش “السرير البدوي” الصادر عن دار كالاشوادو في نوفمبر الماضي بمعرض الشارقة الدولي للكتاب.
المفاجأة الجديدة أن هناك كتابًا ثانيا يأتي ثمرة تعاون مع المترجم د. ذاكر حسين حين سألني مراجعة وتحرير عمله الجديد عن تلميذ سوبرامانيا بهاراتي، وأقصد به شاعر الإنسانية من الأرض التاميلية بهاراتيداسان (1891-1964).
وإذا كان سوبرامانيا بهاراتي رائدا في الشعر التاميلي الحديث ومناضلا من أجل استقلال الوطن وماهاكافي – الشاعر العظيم؛ فإن بهاراتيداسان أحد مهندسي وصانعي القومية التاميلية، وحارب بأشعاره القوية ضد النظام الطبقي في المجتمع الهندوسي واضطهاد المرأة والمعتقدات الخاطئة. كما تأثر بشدة بأفكار بهاراتي، ومن ثم أطلق على نفسه اسم "بهاراتيداسان" بمعنى عبد أو محب بهاراتي. وقد شارك الشاعر بهاراتيداسان في حركة الاستقلال الهندية، وعارض البريطانيين والفرنسيين. وقد عين معلما في مدرسة حكومية في عام 1909 وكان يعمل فيها لفترة موجزة.
كان بهاراتيداسان يكتب عن القضايا الاجتماعية والسياسية مثل الطبقة الاجتماعية وتحرير المرأة والعقلانية. وكذلك كتب عن مواضيع متنوعة مثل الطبيعة والحب ومجد اللغة التاميلية والإنسانية والإخوانيات ووحدة العالَم، وقد صور الشاعر أحوال المرأة في المجتمع في قصائد عديدة منها قوله:
"أناسنا
يربون الببغاوات في الأقفاص
ولديهم كلاب في البيت
يهتمون بجميع حوائجها
ولكن الرجال ولو لمرة واحدة
لا يهتمون بإدراك قلب المرأة
بعد وفاة زوجها
واحسرتاه! الأنوثة الذليلة!"
بالإضافة إلى الشعر، وجدت آراء الشاعر في أشكال أدبية مختلفة كالمسرحيات والقصص القصيرة والمقالات، إذ كان بهاراتيداسان إحدى الشخصيات الرئيسية في الحركة العقلانية الدرافيدية. أطلق عليه الزعيم العقلاني العظيم والمصلح الاجتماعي "بيريار إي في راماسوامي" اسم "بوراتشي كافينجار" بمعنى الشاعر الثوري. ومن أشهر كلمات الشاعر بهاراتيداسان: "آريفاي فيريفو ساي، آكانداماكو" بمعنى "قم بتوسيع معرفتك وتعميمها"، و "بودييادور أولاغام سايفوم "دعنا نصنع عالما جديدا" .
وكرم الشاعر بهاراتيداسان في وطنه فأنشأت بلدية "بانديتشيري" قاعة تذكارية للشاعر بهاراتيداسان في 21 أبريل 1965، وونُصِب تمثالٌ للشاعر في شاطئ مارينا، تشناي خلال المؤتمر التاميلي الدولي الثاني وذلك في عام 1968، كما تأسست جامعة باسم الشاعر بهاراتيداسان في تروشيرابالي وذلك في عام 1982. وحصد الشاعر بهاراتيداسان جائزة بقيمة 25000 روبية في عام 1946 لمسرحيته "آمايتي - أوماي" (صمت – بكم) ملقبا بـ الشاعر الثوري. ومنحت له جائزة "ساهيتيا أكادمي"، بعد وفاته في عام 1970 عن مسرحيته "بيسيرانتيار". وتم إصدار طابع بريدي تذكاري باسم الشاعر بهاراتيداسان في 9 أكتوبر 2001، وسنويا، تمنح حكومة ولاية تاميل نادو جائزة باسم "بهاراتيداسان" لشاعر تاميلي.
سيصدر هذا الكتاب الشعري المترجم إلى العربية متضمنا خمسين قصيدة من مجموعة الشاعر بهاراتيداسان الشعرية، عن دارغزل للنشر والتوزيع، وكتبت فيه تحت عنوان (قصائد الشاعر التاميلي بهاراتيداسان - أفكار كونية، ونكهات محلية)، أن الشاعر التاميلي بهاراتيداسان يتقمص في قصائده التي ترجمها الدكتور ذاكر حسين، دور المصلح الاجتماعي والثوري، وهو لا يفعل ذلك إلا مخلصا لأمته، ولغته، وقوميته، وأرضه. ولعل بهاراتيداسان يستحضر من تجارب العالم ما يريد أن يفيد به أبناء التاميل، فكأنه يقدم له وصفات مجربة للنجاح، والنهضة، والتقدم، وجعل الاتحاد عصب تلك الوصفة السحرية للوصول إلى المعالي (ما شهده العالم الغربي من التقدم والازدهار يعود لاتحادهم في العمل يا رفاق!).
وهو يقرن الوصول إلى النجاح بالعلم، والتعليم، والدراسة، وقد أسهب في توضيح ذلك، في مواضع عدة، ملحا على تعليم المرأة، وتدريس البنات، وتثقيف الأبناء، وإعلام الرجال، حتى أنه كتب قصيدتين تمدحان في المكتبة والصحيفة، اللتين تنقلان عبر حروفهما تجارب الأمم المدونة، وخلاصاتها المخزونة كالكنوز، كما تتابع الجديد في كل منحى من مناحي الحياة. فيكتب (عظيمةٌ هي فوائد الكتب) في قصيدة "المكتبة"، ويقول (أيتها الصحيفة، أيتها المرأة العطرة / أولئك الذين لا يدركون قيمتك / يعزلون أنفسهم عن مجريات العالم)، مادحًا الصحيفة.
لكن شاعرنا يقدم لنا في ثنايا دعوته التنويرية رؤية اجتماعية أخرى، يولي في قلبها الإصلاحي (المرأة)، التي يراها عماد الأسرة وعامود المجتمع، وعمدة القضايا الجديرة بالدرس وإعادة النظر، لكي تعالج قضاياها، بعدما أساءت التقاليد والعادات البالية إليها أيما اساءة.
فالطفلة جاءت جاءت لإعلان "المرأة مصدر قوة وتقدم ومستقبل البشرية"، وهو ينادي في أكثر من قصيدة بأهمية تعليم المرأة "هذه الأرض التاميلية المجيدة والبلاد كلها، يمكن أن تتقدم وتزدهر بالمرأة. كما يرى المرء الطريق بعينيه / ويتحرك إلى الأمام بساقيه، يمكن أن نتقدم بالمرأة." لأن " المرأة غير المتعلمة ضارة"، وأنا اقتبس كلمات الشاعر. كما يلقي باله إلى أمر معاملة المرأة، التي لا تحظى من المجتمع بالتقدير المستحق لها، حتى أنه يدعو لإزالة كلمة (أرملة) من قاموس الحياة والمجتمع واللغة، كي تنال حياة متكافئة بعد وفاة زوجها.
صحيح أنني لم أقرأ الأشعار بالتاميلية، لكن طريقة صياغة القصيدة لدى الشاعر التاميلي بهاراتيداسان تشي بأننا أمام قصائد مفعمة بالموسيقى، رغم الحس التعليمي لها، وإذا كانت الترجمة قد تخلت مجبرة عن استحضار الموسيقى، إلا أنها تظهرها كامنة في أكثر من نحو، سواء بالترنيمات الاستهلالية لدى الهدهدة، أو استحضار أصوات الطيور، وكذلك تكرار بعض السطور، كجزء من الإيقاع اللغوي، واعتماد هذا التكرار مرارا، وكأننا أمام صوت الشاعر، يأتي بعده صوت الكورال، أو جوقة المنشدين، خاصة وأن ثورية بعض الأفكار والسطور تستدعي ذلك التشكيل المسرحي للقصائد.
كم هي سعادتي أن يصدر هذا الكتاب الثاني بترجمة د. ذاكر حسين، بعد صدور كتابنا الأول لقصائد سوبرامانيا بهاراتي (1882-1921)، ليأتي كتاب الشاعر بهاراتيداسان (1891-1964)، تتمة لمشروع تقديم أعلام الشعر التاميلي باللغة العربية، وهو فضاء جديد، بل وأتمنى أن نجد يوما الشعر العربي تحت سماء هذه اللغة التي قد تختلف أبجديتها، لكنها تتفق في تذوقها للموسيقى، وتبنيها للقيم الإنسانية، وامتلاكها للنكهة المحلية بالمثل.
بالتزامن مع "آسيان إن"
التعليقات