الخوف شعور طبيعي، حقيقي في أنفس جميع المخلوقات، فالخوف من الله من أساسيات العبادة، ولكن لكل شعور حد ... إذا تخطاه تحول من كونه نعمة إلى نقمة، فمتى يتحول الخوف إلى نقمة؟
عندما يكون الشعور كاستجابة على قدر المؤثر، الخوف من الحيوانات المفترسة، من السقوط في البحر مع عدم إجادة السباحة، فالخوف في مثل تلك الحالات أمر طبيعي، بل وغيابه عنها يُعد أمرا خارقا للطبيعة.
ولكن عندما يخاف الطفل من الذهاب إلى المدرسة، ويخاف اليافع من الإبرة، ويخاف الناضج من تكوين علاقات حقيقية، فهذا ما يُعرف بالرهاب؛ وهو الخوف أو القلق الشديد أو الهلع المفرط؛ بسبب أشياء بسيطة ... عادية عند أغلب البشر.
تتعدد أسباب الرهاب، فمنه ما يحدث بسبب صدمة نفسية وعادة ما تكون خلال فترة الطفولة، مثل الخوف من العلاقات، من المرتفعات، من الأماكن المغلقة، ومنه ما يحدث بسبب بنية المخ ووظائفه، حيث يولد الإنسان على ذلك، مثل فوبيا الجبن.
وتتعدد الأسباب، والرهاب واحد .... فما من شيء يعكر صفو الحياة، ويبطل أي محاولة للاستمتاع بها بقدره، يودي بك إلى العزلة الاجتماعية، والأرق، ثم تجنب كل ما يمكن أن يهدد سكينتك ولو كان هذا في الهروب من الحياة ومن كل جميل فيها، وإذا مددت يدك خارج قوقعتك، سيكون من أجل تقديم الاهتمام والأمان لشخص ما، رغبة في الحصول على أضعافه كمردود.
ولذلك سعى الدين الإسلامي لتحقيق أكبر قدر من سكينة وطمأنينة القلوب، فأمر بذكر الله عند الخوف، وأمر بعدم إثارة الفزع والرعب في نفس أي إنسان بلا داعٍ قهري، وأمر باتباع أحكامه في حالة الحرب.
فلا حرب إلا على من طلبها، ولا حرب إلا على رجال الحرب، فدماء المدنيين في الحرب حرام، ولا حرب إلا على القوي القادر على الرد، ولا حرب على طفل أو امرأة أو شيخ، فلا يصيبهم أذى ماديا كان أو معنويا.
فاليوم وبعد مرور أكثر من سبعين يوما على بدء الحرب في غزة، ومع زيادة قسوة المتحاربين مع قسوة الشتاء، مع رحمة الله بكثير من الأطفال بخلاصهم من خوفهم بالموت، مع تعالي نحيب الأطفال، ومع رجفات أجسادهم الصغيرة، وبغض النظر عن المخطئ والمصيب، وبغض النظر عن صاحب الحق والقضية .... أغيثوهم.
ارحموا خوفهم، ارحموا أرواحهم، أجيال تهلك ... الحي منها والميت، فلا حي يخرج من مثل هذه التجربة، بدون جرح لا يتطلب سوى النسيم العابر، حتى يحيا من جديد، موقظا معه كل الآلام والذكريات الموحشة.
فإذا كان الخوف يمنع من الحياة ... وجب البحث عن مفر.
التعليقات