أرفض توظيف الجنس في العمل الأدبي أو الفني توظيفًا مجانيًّا، كما أرفض استخدامه كمثير شهواني دون مبرر فني، وقد سقطت الروايات، والأعمال الفنية، التي جعلت الجنس هدفا أساسيا في العمل، خاصة في العصر الذي نعيشه الآن، فمن السهل جدا على أي شخص يريد مشاهدة الجنس أن يلجأ إلى شبكة الإنترنت وأن يدخل مباشرة إلى المواقع الإباحية المنتشرة على تلك الشبكة، كما يسهل له الحصول على أفلام جنسية أو إباحية كاملة. وفي هذه الحالة لن نعتبرا هذا فنا أو أدبا إنسانيا رفيع المستوى.
فالعمل الفني يسمو فوق ذلك، بتوظيف الجنس توظيفا إبداعيا راقيا، فعندما يقول لنا نجيب محفوظ على سبيل المثال أن بطله "مشى في شارع النساء بطوله وعرضه"، فهو يلجأ إلى التلميح وليس التصريح، يلجأ إلى التعبير الفني الراقي وليس المباشرة الفجة أو التقريرية المقيتة. وعندما يقول إن بطله استطاع عبور "فرن المراهقة" بسلام، فإنه يوحي بالكثير والكثير في عبارة موجزة هادفة كاشفة.
وقبل نجيب محفوظ وغيره من الكتَّاب، فإن القرآن الكريم احتوى على تعبيرات جنسية في منتهى السمو والعظمة مثل تعبير "أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" (البقرة – 187) والرفث – كما قيل – مقدمة المباشرة الجنسية أو هي المباشرة نفسها.
وليس الأمر مقصورا على الرواية فحسب، ولكن هناك الجنس في الشعر والجنس في الفن التشكيلي والجنس في السينما، إلى آخره. وهناك في ألف ليلة ليلة تعبيرات جنسية في عدد من الليالي، ولكنها تعبيرات كاشفة عن البيئة وعن العصر وليست لمجرد الإثارة الغريزية، وقد دعا عدد من المشايخ من قبل بمحاكمة ألف ليلة وليلة بسبب هذه التعبيرات، ولكنهم حصلت على البراءة.
كما نرى أيضا لوحات تشكيلية عارية للعديد من الفنانين، ومنهم الفنان التشكيلي الرائد محمود سعيد – على سبيل المثال – في مجموعته "العاريات" الموجودة بمتحفه بمنطقة جناكليس بالإسكندرية، وقد تحدثتُ عن فلسفة العري في تلك اللوحات في روايتي الأولى عن محمود سعيد "اللون العاشق". حيث قال الراوي: إن العُري التشخيصي ليس دعوة فجور أو دعارة لكشف الأجساد وتعْرية النساء في الحياة، بل نسقٌ تشكيليٌ يبوح بجمال المرأة.
وكان محمود سعيد يرى أن الموديل العاري يعد دراسة متخصِّصة في معاهد الفن والعمارة في الغرب لتعلّم رسم ونحت جسد الإنسان بتشريح أكاديمي صحيح. وتأثّرت بعض البلاد العربية بثقافة الأوروبيين من خلال دراسة طلابها للفن في باريس ولندن وروما وموسكو ... حيث نهلوا من معارفها وفنونها. ومن ذلك رسم الجسد العاري، كما في القاهرة ودمشق وبيروت منذ مطلع القرن العشرين. ومن أشهر الفنانين العالميين الذين شغفوا برسم العاريات روبنز وجويا وموديلياني ورينوار. وتأسست في فلورنسا "المدرسة الحرة لفن العري" وقد سمحت للفنان التشكيلي أن يتوغل أسفل الملابس مثل خارجها دون أن يحرك ذلك الغرائز الإنسانية.
كما عبر نزار قباني عن هذا العري أو الجنس في العديد من قصائده، ويكفي عنوان ديوانه الأول "طفولة نهد" الذي أثار عددا كبيرا للهجوم على الشاعر، ولكن عندما يقول نزار في قصيدته "الرسم بالكلمات"
تعبتْ من السفر الطويل حقائبي ** وتعبتُ من خيلي ومن غزواتي
لم يبق نهدٌ أبيضٌ أو أسودٌ ** إلا زرعتُ بأرضه راياتي
لم تبقَ زاويةٌ بجسمِ جميلةٍ ** إلا و مرَّتْ فوقها عرباتي
فصًّلتُ من جلدِ النساء عباءةً ** وبنيتُ أهرامًا من الحلمات
وكتبتُ شعراً لا يشابه سحرَه ** إلا كلامُ الله في التوراةِ
واليومَ أجلسُ فوق سطحِ سفينتي ** كاللصِّ أبحثُ عن طريقِ نجاةِ
وأديرُ مفتاحَ الحريمِ فلا أري ** في الظلِّ غيرَ جماجمِ الاموات
اين السبايا؟ أين ما ملكتْ يدي ** أين البخورُ يضوعُ من حجراتي
اليوم تنتقمُ الخدودُ لنفسها ** وتردُّ لي الطعناتِ بالطعناتِ
فإنه يعبر عن فلسفة خاصة، أقرب إلى العدمية، فبعد أن جربت الذات الشاعرة كل الملذات وكل المبهجات الحسيّة والشهوانية، فإنها تكتشف أن كل شيء عبثي، وكل شيء إلى زوال، وإن هذا الجنس لم يكن سوى مجرد مسكنات فحسب.
فنحن نقبل هذا الجنس في الأعمال الروائية والتشكيلية والشعرية، لأنه ليس الهدف منه إثارة الغرائز واللعب على وتر الحسية والشهوانية، وإنما الهدف منه الكشف عن مشاعر الإنسان وعواطفه تجاه الأنثى بنوع من السمو والتعبير الفني الراقي، أو الكشف عن فلسفة ما يريد أن يعبر عنها الأديب أو الكاتب أو الشاعر.
التعليقات