بداية ونحن على عتبات المقال دعونا نسأل ونترك الإجابة لكم بعد قراءة هذا المقال :
هل ظلم التنويريون والمفكرون والباحثون فى كتب التراث البخاري ومسلم ؟
لنقرأ بهدوء هذه السطور الهادئة والتى أحاول فيها الإيجاز قدر المستطاع للإجابة والتوضيح.
رغم أننى أميل لمدرسة التنوير وإعمال العقل وتحريره من الخرافة والأساطير والدعوة إلى العلم والفكر إلا أننى مع العقيدة الصحيحة التى تؤيد وتؤمن إيمانا راسخا بالقرآن والسنة الصحيحة وتطرقت إلى ذلك فى كتاباتي فى نفس الوقت الذى كتبت فيه عن التنوير وطالبت بتنقية التراث من كل حديث وقول ووقائع تسئ لصحيح الدين وتشوه صورة الإسلام كدين وعقيدة تدعو إلى الرحمة والسلام والعلم والفكر وليس إلى الجهل والخرافة والكراهية والتعصب والقتل.
وعندما تناولت فى أحد كتبي موضوع التنوير كتبت عن البخاري ومسلم وغيرهم وقلت أنهم اجتهدوا وأصابوا وأخطأوا فهم بشر وليس هناك أحد مقدس ولا يوجد كتاب أصح كتاب بعد كتاب الله وهو القرآن حتى لا يكون هناك كتابا موازيا للقرءان فنترك الأصل ونتمسك بكتاب صنعه بشر فيه أخطاء فتكون الكارثة أن نترك الصحيح منه ونتمسك بأخطائه.
وحتى لا نظلم علماء الحديث كافة والبخاري ومسلم خاصة فإنني أتطرق فى هذا المقال الموجز عن الفجوة التى يدخل منها دعاة التنوير الذين يسيئون فى رأيي للتنوير الحقيقي وللدين ويهاجمونه ويطعنون ويشككون فيه ..
تلك الفجوة هى قولهم أنه كان بين كتابة البخاري ومسلم للحديث وتدوينه حوالى مائتين عام وأكثر حيث من المعروف أن البخاري ولد فى عام مائة وأربعة وتسعون للهجرة وبعده مسلم بستة أو سبع سنوات وبناء على ذلك يشككون فى صحة الأحاديث وعندما استندوا إلى مقولة أنه كان هناك ستمائة ألف حديث وتم تصفيتهم إلى سبعة ألاف ثم إلى ثلاثة ألاف تقريبا لم يوضحوا الكيف ولم يسألوا لماذا ؟
وفى ظني أنهم يعرفون الإجابة ولكنهم يريدون الوصول لشيء ما ألا وهو التشكيك واستهداف نوعية من الشباب لا تقرأ ليشككوهم فى دينهم وعقيدتهم.
الموضوع بسيط والتوضيح جد سهل وفى إيجاز واختصار أنه لم تكن هناك فجوة فى تدوين الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان هناك الصحابة رضى الله عنهم جميعا من حفظة الحديث يعيشون فى القرن الأول من الهجرة وأخذ عن الصحابة التابعين ثم تابعي التابعين وكل هؤلاء كانوا يدونون الحديث حتى جاء البخاري ومسلم ونشأت قصة الستمائة ألف حديث التى أحدثت اللغط والبلبلة والقصة هى أنه لم يكن هناك عدد ستمائة ألف حديث ولكن كان هناك الحديث الواحد له أكثر من مائة رواية بطريقة مختلفة فكان البخاري يدون وينقح كل الروايات وسندها ليصل إلى الرواية الصحيحة حتى استقر فى النهاية عند الثلاثة ألاف أو يزيد.
ولعلك تندهش إذا قلت وخرجت عليك بمقولة ومعلومة جديدة وهي إذا كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه قد جمع القرءان فإن هناك من جمع الحديث قبل أن يولد البخاري بمائة عام تقريبا .
ففى العام التاسع والتسعون للهجرة كان هناك "عمر بن عبد العزيز"خامس الخلفاء الراشدين الذي أمر بجمع الحديث وتدوينه واعتمد على تقاة العلماء وكلف ابن شهاب الزهري وابن حزم لجمع أحاديث النبي من التابعين وتابعي التابعين والرواة والمحدثين ومن أهم هؤلاء التابعين الذين جمعوا الحديث وأخذوا عنه الإمام مالك وكتابه الشهير الموطأ والذى أخذ من ابن عباس حبر الأمة وابن عمر رضى الله عنهما الكثير من الروايات والأحاديث الصحيحة.
لقد عني التابعون وتابيعيهم بتنقية الحديث مما أصابه من وضع الوضّاعين عن طريق العناية بحفظه وتتبع الأسانيد والبحث في أحوال الرجال ثم أخذوا يشرحون الرجال، فيجرحون بعضا، ويعدلون بعضا فاستدعى ذلك منهم أن يلتمسوا الأحاديث وأسانيدها مهما كلفهم ذلك من رحلات شاقة وطويلة.
ثم انتقل تدوين الحديث إلى طور آخر أكثر تطورا، وازدهر التدوين بازدهار تأليف الكتب في عصر هارون الرشيد.
وتشعب وتنوع، فظهرت منه الموطآت والمصنفات والمسانيد والسنن والأجزاء والجوامع والمستدركات والمستخرجات وبلغ التدوين عصره الذهبي بحلول القرن الثالث الهجري الذي ظهر فيه كتب الصحاح، وانتشر فيه الكثير من علماء وحُفاظ الحديث الذين أسّسوا لعلوم الحديث كابن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن المديني ويحيى بن معين والبخاري ومسلم وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وعثمان بن سعيد الدارمي.
ثم استمرت عملية جمع وتدوين الحديث وتصنيفه وترتيبه حتى نهاية القرن الخامس الهجري.
ثم انتقل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة نقد الحديث تصحيحًا وتضعيفًا وأصبح هناك علما وعلماء للحديث!
وقد يكون صحيح البخاري ومسلم أشهر كتب الحديث ولكن كان هناك من الموطئات موطأ الإمام مالك ومن المصنفات مصنف ابن شيبة ومن المسانيد مسند الإمام أحمد ومن السنن سنن الترمذي وابن ماجه ومن الشروحات فتح الباري فى صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني..
لعلنا الأن وصلنا إلى فهم ومعرفة مراحل تدوين الحديث وجمعه وشرحه ولعلنا الأن نستطيع الرد على من يشكك ويطعن فى السنة ويستغل بعض الأخطاء والأحاديث الكاذبة والموضوعة والإسرائيليات والتى نشأت نتيجة صراعات كثيرة كان منها السياسي والمذهبي والطائفي كالذي كان بين السنة والشيعة والأمويين والعباسيين.
ولعلنا نصل إلى الحقيقة التى لا جدال فيها وهى أن كتاب الله وسنة النبي الصحيحة " فقط" هى الأساس فى عقيدة كل مؤمن وكل مسلم ويؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى :
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ..
وفى السنة يقول النبي صلى الله عليه وسلم إني تاركٌ فيكم ما لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله، وسنتي.
وإن كان هناك شك فى الحديث فهناك من يقول كتاب الله وعترتي وهناك من يقول أن أصل الحديث يتوقف عند كتاب الله؟!
وهذا يثبت أن رواية الحديث الواحد كان لها أكثر من رواية وبطريقة مختلفة وجمل زائدة وجمل ناقصة؟!
فإذا كنا ننادى بالتنوير وإعمال العقل وتحريره من ظلمات الجهل والخرافة وكل ما يسيء للدين فينبغي أن يكون ذلك لصالح الدين وليس ضده ولصالح العقيدة وليس النيل منها والتشكيك فيها ..
إن أصعب شيء على الإنسان أن يسلم عقله لغيره فيصبح كالأعمى وليت الذى يقوده مبصرا ولكنه أعمى البصيرة ؟!
الذين يقودون التنوير الحقيقي هم المجددون وأصحاب بصيرة وغيرة على الدين وعلى النبي وعلى كتاب الله...وأخيرا وليس آخرا سأظل أكتب وأنا على يقين وإيمان :
لا يوجد ولن يوجد كتاب أصح او صحيح غير كتاب الله سبحانه وتعالى فالقرءان هو كتاب الله وأصح كتاب وليس هناك كتب أخرى يمكن أن يقال عنها أصح كتاب لأنها منتج بشري يقبل الصح والخطأ ومنهجنا وشريعتنا كلها فى آيات القرءان والسنة الصحيحة فقط وليس مهما أن تكون عن طريق البخاري أو غيره من الأئمة والفقهاء المهم صحتها بنسبة لا تقبل قيمة الصفر والشك والتنوير الحقيقي ليس جريمة لأنه يبحث عن الحقيقة ليكون داعما للدين وليس هادما، والذين يخافون منه هم أصحاب الهوى والمصالح.
هامش المقال :
التواريخ والمعلومات مصدرها البحث بموسوعة جوجل ويكيبيديا لمن يريد المزيد من المعلومات والاطلاع.
التعليقات