كل شيء في هذا البلد يتم عن طريق البرامج الرقمية..
من أول هويتك. بصمتك الشخصية.. خط التليفون.. عقد ايجار الشقة.. عقد الكهرباء والمياه.. الغاز.. كل شيء وصولا الى شراء بقالتك ومستلزماتك الأسبوعية من كارفور!
وحتى يتم ذلك لابد لك من فتح حساب بنكي والحصول على فيزا رقمية لدفع اشتراكات كل ما فات ودفع كل فواتيره الشهرية أيضا عن طريق برامج رقمية مخصصة لكل ما سلف ذكره..
تتحول حياتك الى رقم.. وكبسة زر.. ورسائل وايميلات تملأ حياتك اليومية على مدار الساعة..
الغرض منها تسهيل مهمة حياتك اليومية بكل تفاصيلها
فلا تضطر الى الانتقال من مكانك الى مكان الخدمة التي تريد التعامل معها.. لا تقف في طابور.. لا تحتاج الى توصية لتسهيل امورك من أحد.. لا تحتاج الى رشوة موظف.. لا تضطر الى الصعود والهبوط عدة مرات داخل المباني الحكومية للحصول على امضاء او ختم من موظف ...ولا رشوة عامل الشاي والقهوة ليعطيك طابع بريد أو يضع ملفك قبل دور ملف زملائك ... الخ
وطبعا كل هذا العالم الرقمي يحتاج الى بنى ادم "رقمي" هو الاخر!
وأنا في هذا العالم "الرقمي" أعتبر رغم كل خبرتي وثقافتي المشهودة من الكل.. أعتبر"جاااااااهل"!
واضافة الى جهلي في التعامل مع هذا العالم الرقمي فانا مصاب بعقدة "ملئ البيانات "!!
فمنذ صغرى. طلب منى ملئ بيانات بطاقتي الشخصية..
وقفت أمام تلك الورقة حائرا مهزوما.. لم أفهم جملة واحدة غير تدوين أسمى فقط ...
لحظتها نسيت كل اللغة العربية ومفرداتها ...
ولكنى يبدو أنى لم أكن الوحيد الذي يعاني من تلك الحالة.. فكلما استعنت بأحد من عائلتي أو أقاربي.. لم يقوى غير الإجابة على القليل من الأسئلة الموجودة في تلك الورقة اللعينة!!
وفى النهاية لجأنا جميعا لكاتب متخصص يتم تأجيره فقط لملئ تلك البيانات.. وحصل على 10 جنيهات نظير ذلك!
ومنذ تلك اللحظة أدركت أنى لا علاقة لى بمليء البيانات و لابد لى بالاعتماد الدائم على هذا الكائن المتخصص الذى يملأ البيانات
والذي تطورت أجرة يده من 10 جنيهات مع مرور الزمان الى 100 جنية!!
ولكن يبدو ان شبح ملئ تلك البيانات لم يتركني.. ففي رحلات سفري وانا أعبر ديسك الجوازات لابد لى بمليء البيانات!!
فأقف مثل الشحاذين وعلى وجهي ابتسامة بلهاء منتظرا أي شخص أتوسم فيه الخبرة والوقار..
"لو سمحت.. ممكن تملالى البيانات أصلى ما بعرفش اكتب عربي!"
لا اعلم لماذا كذبت.. ربما من الحرج..
فاذا بالرجل يرد بكل ثقة
"مكتوبة بالإنجليزي على ضهر الورقة تقدر تملاها بنفسك"
وبعد عدة محاولات يتم نجدتي من شخص أخر..
وتأتى المرحلة الصعبة.. وانا على الالف الأمتار في السماء داخل الطائرة ورقة بيانات أخرى لابد لى في ملئها!!
وها هي جارتي في المقعد عجوز ذات مائة عام نظرها يكاد يخبو خلف نظارتها السميكة.. اضافة انها لا تتحدث العربية.. ولا حتى الإنجليزية!!
وهكذا.. أصبح موضوع ملئ البيانات عقدة مرسخة في خيالي
منذ الطفولة ...
ومن هنا كانت مشكلتي النفسية والعقلية عند حضوري الى أبو ظبى
المدينة الرقمية.. مدينة ملئ بيانات البرامج الرقمية!!
وللحديث بقية..
التعليقات